سلسلة مقالات طوفان الأقصى
بمناسبة حوارات من لم يقرؤوا التاريخ، ولا كتب الحضارات، ممن قالوا: بأنّهم يقفون مع وضد في آنٍ معًا!
مَاذا لوْ دَاهَمَ سيِّدَكَ المَوت..
"اصنعْ لنفسك؛ كي لا تموتَ بعد مَوْتِه، وتختفي... مع مَنْ سَيَخْتَفُون"
بقلم: أ.د.عماد الخطيب
ليس سرًّا أنّ الموت هو "قاهر الملذات"..
انظر حولك: ترى موتا لبلاد، وموتا لعباد، وموتا لأزمان، وموتا لقبائل، وموتًا لإمبراطوريات، وموتًا حتى لجمادات.. أما (موت الفكر) فهذا موت جديد، يقوى ظهوره بالأوهام والخرافات!
فالأنماط السّابقة كلّها ما عدا (موت الفكر) هي بالمعنى الحقيقيّ للموت، أي الاختفاء وعدم الظّهور.
وفي زماننا فمهما تعدّدت صور الموت. فلها سببان: الأول هو غضب ربّ الأرض تعالى، حتى لا تنفع البشر لا أقمار صناعية ولا قنابل نووية! والثاني الموت الذي ابتكره البشر حلا لغلبة الإنسان على أخيه الإنسان، وأول من صنع ذلك قابيل يوم قتل هابيل!
فالموت إنْ لم يأتك من أمّك الأرض، فسيأتي من أخيك الإنسان!
فحدّثني الآن عن نفسك. هل ما زلت تظنّن بوجود إله غير الله تعالى!
هل ما زالوا يقنعونك بتقديس المال وربّ المال!
هل ما زلت تُغمض عينيك عن حقيقة أنّك ميّت وكلّهم ميّتون.
انتبه وأنت تَهْدم ملذّاتك الحلال، لصالح بُخلٍ هو من صنيعة وهمٍ أسميته (فكرًا جديدًا) وأشغلت به نفسك، أو من أجل تضحيةٍ ليست في مكانها، فأنت ما زلت لم تفهم الحياة.
لا تفهم منّي أنني أقول لك أنْ تتمرّد على قوانين الهياكل التّنظيميّة لحاكميّة قطاعات تنظيم الأعمال التي تضمن المساءلة، فهذا كلام كبير تملؤه منصّات (النّخبة!) من عالم المال والأعمال.. ولكنّني أقول: "استيقظ لا تتوهم بأنّك خالد. أو أنّ من تقدّسهم سيخلدون"!
لا. يا صاحبي. ستموت، وسيموتمون.
ولن يبقى من بعدهم سوى أنْ تعضّ أصابعك ندمًا، على فوات فرصة [كي تعيد نفسك إلى مصافّ البشر المكرّمين عند خالقهم، والنّاس].
فلم تُخلَق كيْ تخدم غيرك!
وليس الكرماء مَنْ يؤلّهون العِبَاد لمناصبهم أو أموالهم! فانتبه لأنّ ما يحيط بالدّنيا من زينة هو للتّفاخر اللّحظي، ولا قيمة له مع أول طوفان.
فماذا لو ماتوا. ولم تمت. ماذا أعدتتَ من خطّة لكي تستمر.
وماذا لو ماتوا. ومتّ. فأكيد.. ما من شك أنّهم لن يلتفتوا إليك؛ لأنّهم ما أمروك بطاعتهم العمياء، لتُحلّ حلالهم. وتُحرّم حَرَامهم. حتى على نفسك!
وأخيرًا..
فليس سرًّا أنّ العالم اليوم يعيش في زمنِ بطلٍ واحد، أشبه بإله! إنّه (سياسة المال)!
وأنّ أرباب المال يعلمونَ بألوهيّته تجاه ضعاف النّفوس؛ فما جيوشهم التي تملأ الأرض إلا لفرض هيمنة أموالهم على أموال غيرهم، وما استبسالهم في القتال إلا لإقناع العالم أنّ أموالهم هي الأغلى والأثمن، ولقد جيّشوا الدّعايات والمؤامرات؛ ليبقوا في السّيادة، ويبقى غيرهم من البشر عبيدًا لهم ولرغباتهم! ولقد أحضروا موتًا من نمط جديد. إنّه (موت الفكر) ولقد أطعناهم. ونسينا أنفسنا!
ما أسوأ زمانًا مثل هذا، وما أصعبه!
ولكن: قف، واسترجع نفسك. وظُنّ بها خيرًا.
لا تُقلّل من أهميّة نفسك. ولا تُصغّر منها.
لا. لم تمت الأخلاق، ولن تموت. ولم تمت العلوم ولا الابتكارات، ولن تموت.
وفرعون الذي بنى سلّمًا؛ كي يرى إله موسى عليه السّلام، وكان يقول للنّاس "ما علمتُ لكم إلهًا غيري" وهو الذي أقنعهم بأنهم سيموتون لولاه ولولا أمواله، هو نفسه الذي مات غرقًا وآمن بإله موسى.
وكم هو صعبٌ أن يموت إلهك الذي ظلت له عابدًا!
فماذا ستقول لنفسك حينها التي كانت تبتكر كلّ يومٍ قصة؛ لتقنعها وتقنع من حولها بأنّه إله. وأنّ أمواله هي التي تُبقِيكَ على قيد الحياة. وانه هو الذي أبْعدَ الموت عنك!
ما هذا الهراء!
وصَدَقَ مَنْ قال بأنّ العيب الأكبر فيمن يستطيع أنْ يحقّق لنفسه شيئا، ويتكاسل عنه!
فما دام أنّ الموت قادم. فالحكمة تقول: اصنع لنفسك. ولم تقل: اصنع لغيرك!
ولُمْ نفسك، وجريك وراء المال وأرباب المال، ولا تلُم عيشك. وعِش الحقيقة، لا الفلسفة التي أقنعتَ نفسكَ بها هَرَبًا مِنْ واقعك الذي سيأتيك مهما هربتَ منه!
أنت المُلام على أوهامٍ صنعتها، وعبثٌ وضياعٌ هو ما تسمع عن آلهةٍ جديدة كلّ يوم تظهر لنا بلونٍ مختلف.
ومفهومها كلّها يدور حول العبوديّة والسّيادة، بمسمّياتٍ مختلفة.
وإنّك لن تجني من الشّوك العِنَب.
تعليقات
إرسال تعليق