طلال أبوغزاله وغزة، بقلم: د.عماد علي الخطيب

طلال أبوغزاله وغزة






 لن يعرف حجم ما يحسّه طلال أبوغزاله مع غزة إلا من لازمه، وعرف كيف لطفل لاجئ أن تدمع عيناه "فلا يملك ما يستبدل به حذاءه المهترئ". وكيف لطفل لاجئ أن يدرك أن والده فقد مُلكه هناك حيث فقد وطنه، وسكّتوه يوم قيل له: "بعد غدٍ سنعود"! وكيف لفتى يعمل في البيع والترجمة والتدريس أن يتحمل عبء منزل أسرته وما زال على مقاعد الدراسة! وكيف لفتى أن يخبّئ فواكه يُعطاها كلّ يوم ليعود فيتشارك في أكلها مع عائلته. تاريخ نضال طويل عانى به طلال في إقناع نفسه أنّ ما حصل لن يزيده إلا ثباتا على الحقّ، وأنّ أرضه الصّغيرة في يافا لا يعادلها الكون بأسره.


لن يعرف حجم معاناة أهل غزة إلا رجل بحجم طلال أبوغزاله "اللاجئ الفخور بوطنيّته" في كلّ مجالسه" أنا لاجئ قَدِمتُ من هناك، وأحنّ إلى هناك، وأنتظر التحرير؛ لأعود شامخًا، أتلمس ما تبقى لي من ذكريات وأمنيات".


تتكرّر معاناة طلال اللاجئ مع كلّ قصّة لاجئ، وتتكرّر معاناة طلال اليوميّة التي لم تمت مذ خرج من يافا، مع كلّ قصّةٍ يُعيد فيها الاحتلال إلى الأذهان القصّة ذاتها. وقدم طلال الحل مذ زمن حين تمسّك بحقّه في العودة؛ كي لا ينسى أطفالنا أن لهم وطنا ينتظر أن نضمّه، فعلّمنا طلال ألا ننسى أنفسنا مهما بلغت حالنا علوّا في الأرض؛ فالدنيا كلّها لا تساوي لحظة صفاء أمام بحر فلسطين.


كم عانيت يا طلال. وكم ما زلت تعاني. وكم طالبتنا أن نرتقي بفكرنا. وأن نحارب عدوّنا بمعرفتنا. وأخبرتنا "أنّ الجهل يهدم ولا ينصر صاحبه أو ينتصر لصاحبه!".

كم هي اللحظات التي تخلو بها مع نفسك تحاكمها عمّا قد قصّرتْ به!


أو هل قصّرتْ نفسك يا طلال! فكيف إذن حاكمتها؟ وما العقوبة التي عاقبتها بها؟ علّمنا يا طلال "كيف تحكمت بنفسك كي تبقى الأول دومًا" ألا يسرّك كثير مما نفكّر به أو نتّخذه نهجًا لنا!

إنّك يا طلال من العالم الافتراضي.


وإنّ أمثالك في هذه الأيام نُدرة. إنْ لم يكونوا قد انقرضوا. أأرضوك أهل غزة؟ وهل شَفَوا غليلك؟


يا أيّها الرّجل المختلف بِسِلْمِكَ وحَرْبك.. في زمن النّكبات والدّمار والجنون. فإمّا قابيل وإمّا هابيل. ألا تتسع الأرض لكليهما!


يا أيها الرجل الإيجابي رغم ما حلّ بك وبمن حولك. علّمنا كيف نخلق الساعات البديلة لنبني ما قد تدمّر. علّمنا أن نتحدث بالإيجابية في زمن النّفاق والمنافقين. فكيف سيطرت على نفسك وتجاهلتهم! ماذا كنت تفعل يوم لم تعر لهم بالا!


يا من زرعت فحصدت. وسمّدت فأثمرت. وبنيت فأعليت.


علمنا كيف نسير ولا نخش أحدًا. كيف نبني. كيف نحافظ على ما نملكه من معرفة. نحن معك ولن نقبل وطنا إلا ساحلنا العظيم. لن تغرينا المليارات. سندفع بآهاتنا لبناء وطننا؛ فلا حياة هانئة تماما دون آلام. ولا حياة لا تتقاطع معها الفجائع. سنتصالح مع أنفسنا. ونتصالح مع ذواتنا. ومهما اختلفنا معك يا أيها الرجل العظيم فذكرياتنا واحدة، وما توارى منها أو تنافر أو تجاذب سيبقى بيننا نُعلّمه ونحكيه للأجيال. ولِمَا يحصل في غزّة عنوان واحد "أنّ لغزة وطنًا قادمًا.. لا موتَ فيه ولا دَمَار".


بقلم: د.عماد الخطيب

تعليقات