المُحتوى العَرَبيّ فِي العَصْر الرّقميّ من "فِكْرِ إلْهَام الشّيَاطِين" إلى "حِرْفَة الصّناعَة وَالتّدرِيب" Arabic Content in the Digital age
المُحتوى العَرَبيّ فِي العَصْر الرّقميّ
من "فِكْرِ إلْهَام الشّيَاطِين"
إلى "حِرْفَة الصّناعَة وَالتّدرِيب"
أ.د.عماد
الخطيب
على
الرّغم من أنّ الكتابة بالأساس هي واحدة من أشكال التّعبير عن الذّات أو النّفس،
وأنّ ما يُكتب غالبًا يُمثّل كاتبه، إلا أنّ العصر الرّقميّ الحديث فرض وجود مهنة
جديدة هي مهنة "صانع المُحتوى".
فالمُحتوى
المصنوع هو [كلّ حدث قابل للتّحرير أو الكتابة بشكل
معيّن، ويستطيعه محرّر أو كاتب:
صياغة، أو معالجة، أو
إعادة تبيين، معتمدًا على بيانات أو معلومات جمّعت من مصادر مختلفة] أما من يصنع هذا
"المحتوى" فأصبح اسمه "صانع محتوى".
و"صانع
المحتوى" وهو [الشّخص صاحب المهارات التي يكرّسها من أجل صناعته لما يكتب؛ موظفًا
مهاراته التي أصبح اسمها (المهارات الكتابيّة) لصناعة ذلك المكتوب. وتتحوّل
الكتابة في ضوء مهاراته التي يتقنها من مجرد "إلهام" يُحسّ به كلّما
أمسك أدوات الكتابة، إلى "صناعة" يُتقن من خلالها عمله الكتابيّ كلّما استطاع
إلى ذلك سبيلا.
وقد
اشتُهِرَ مصطلح "صناعة المحتوى" مرافقًا للغرض الأكثر ملاصقة "لصانع
المحتوى" وهو التّعريف بمنتجٍ ما، أو إظهار ميزته، أو تسويقه من خلال منصّة
رقميّة تتّخذه (أيقونة) لها. مع أنّني لا أتجاهل أنّ "صناعة المحتوى"
صورة من صور كسب الأموال..
ولذا
تجدني أتفاهم مع المدرّب الذي يريد من "صانع المحتوى" أنْ يكون متمرّسًا.
وصاحب مهارة. جاعلا الكتابة عمله البدهيّ في أغلب أيامه. وناظرًا
إلى أهميّة إتمام مهام عمله الكتابيّ ووصول درجة "تطويع الكتابة" عنده
إلى درجة الالتفاف من أجل التّعبير عمّا يحتاجه "محتواه" مهما أحتاج ذلك
من عناصر .
ومن
هنا، أصبحت "صناعة المحتوى" هي [فنّ اختيار البيانات، والمعلومات،
وترتيبها، وتصنيفها بأمانة؛ لغرض إنتاج محتوى جذّاب، وبلغة مفهومة، ومكثّفة].
ويكون
هدف "صانع المحتوى" هو الكتابة بوضوح، وإتقان، مع الإجابة عن [أسئلة قارئ
المحتوى المصنوع (في السّرّ!)] ليتعرّف على ثقافة قارئ المحتوى الذي سيصنعه. وما يعرفه
مُسبقًا عن موضوع المحتوى الذي سيصنعه، وما يحتاج أنْ يعرفه. وأسلوب الكتابة الذي
يناسبه. وأثر ما سيفعله بعد قراءته أو استماعه للمحتوى المصنوع.
لكنْ،
قد تدفعك مهام العمل في "صناعة المحتوى" للكتابة عن كثير من الموضوعات التي
لم تكتب فيها من قبل، وقد تشتغل مع عدد مختلف من المؤسّسات التي قد تكون ذات وجهات
متباعدة، كما قد تتولّى قيادة فريق للعمل في "صناعة المحتوى".. وغير ذلك
من المهام التي قد تضطرك إلى توجيه قدراتك الذّهنيّة نحو ابتكار عنوانات يوميّة للكتابة
حولها، وابتكار عشرات من التّعبيرات دون كلل ولا ملل. فهل أنت جاهز؟ أم هي
الصّناعة والتدرّب؟
أمّا المشكلات التي قد تواجه "صانع المحتوى"
فمنها عدم وضوح هدفه. ولا المطلوب من محتواه. ولا خطّة محتواه. وندرة البيانات حوله.
وقصور التّعبير لديه هو نفسه. وعدم التزامه بالهيكل المنهجيّ لكتابة المحتوى. والحشوّ
المخل الذي يُبتلى به الكتّاب. والأخطاء الإملائيّة الشّائعة. وتلك النّحويّة التي
يقع بها الأغلب من الكتّاب. وتداخل المكتوب عنده مع آرائه الخاصّة أو قِيَمِه.
وأخيرًا..
فإنّك
مهما ستواجه من صعوبات -لا شك- أثناء ممارستك لصناعة المحتوى، فإنّ أقدامك لَتَثْبُت
في سوق "صناعة المحتوى العربيّ" خصوصًا في "العصر الرّقميّ"
حين تنسى عصر "إلهام الشياطين" للشّعراء، وانتقال العدوى للكتّاب
الناثرين؛ بحكم كونهم كانوا يتقنون كتابة الفنّين معًا، وتنسى يوم كانت صناعتهم للمحتوى
ذات طعمٍ خاص، في عالم يستقبل (رسائلهم أو كتبهم) استقبال الفاتحين، ويظن بما
يكتبونه خيرًا، ولا يشكّك بأحدٍ منهم، ولا يطيل التّفكير في الإجابة عن سؤال (ما
الغاية مما يُكتب؟) وما له وما عليه وماذا اكتسب صاحبه منه.. في عصرٍ كانت الكتابة
حِرفة عند بيوت السّلاطين، وليست حِرفة في أسواق الدّكاكين.
تعليقات
إرسال تعليق