بحث كامل عن: سِيْميَائيّة حِجَاجِ المُؤشّراتِ التُّراثيّة لِسَانِيًّا "هذه سُبُلِي وَأيّامِي لأحْمَد نَمِر الخَطِيْب أنمُوذجًا"

 

سِيْميَائيّة حِجَاجِ المُؤشّراتِ التُّراثيّة لِسَانِيًّا

"هذه سُبُلِي وَأيّامِي لأحْمَد نَمِر الخَطِيْب أنمُوذجًا"

 

الملخص باللغة العربيّة:

          تُعدّ المؤشّرات التّراثيّة عتبة رئيسة من عتبات دراسة النصّ، وفق النّظريّة النقديّة الأدبيّة الحديثة المُصاحبة لدراسة النّص الأدبيّ الحديث، ويعدّ التّراث بأنماطه باعثًا من بواعث مادة الصّورة الشّعريّة الحداثية التي تلفت انتباه الباحث للغوص في مدلولاتها. 

          وسيدرس الباحث "سيميائيّة حِجاج الصّورة المُختزِلة للحكايّة"؛ من خلال قراءة كيفيّة توظيف الشّاعر لرموزه التّراثيّة وصناعة أيقونة تختزل خلف حكايتها حكاية أخرى نستدلّ عليها بالحِجاجيّة التي هي وسيلة من وسائل الباحث لفهم النّص ونقده.

          أما السّيميائيّة فهي أداة البحث في الدّلالات والرّموز والمؤشّرات وفهم مدلولاتها بالكشف عن غرض الشّاعر من استدعائه لتلك التّراثيّات؛ لأن المعنى الظاهر للقارئ في أول قراءة ليس هو المعنى المقصود من الشّاعر إذا ما قرأت نصّه قراءة ثانية، أي أكثر عُمقًا.

          وتحتاج قراءة النّصّ الفاحصة إلى تعددٍ في القراءة، وقدرة على ممارسة الحِجاج الذي يفرضه استدعاء الشّاعر لمؤشرات تراثيّة دون غيرها، فيكون غرض الشّاعر الرئيس لاستدعائه التّراثّي هو توجيه قارئيه نحو تلك المؤشرات وعلاقتها بالمعنى المعاصر الذي يريده، ويتم ذلك من خلال تتبع المفارقات في الدّلالات فيما عُرفَ بالصّورة المُفارقة، وقد توسّع ليُعرف بالصّورة الحِجاجيّة، وهو ما سيتتبعه الباحث مستفيدًا من معنى المؤشّر لسانيًّا والأدوات اللّسانيّة في البحث النّقديّ.

          وسيقف الباحث مع عدة دواوين جمّعها صاحبها في مجموعة واحدة حملت اسمًا دالا على تجربته الشّعريّة، وهو (هذه سُبُلي وأيامي)، وسيتتبع سيميائيّة المؤشّرات التّراثيّة حجاجيًّا، مستفيدًا من دالة العنوان الإشاريّة إلى أنّ الدّواوين تحمل مراحل من تجربة الشّاعر الفنّيّة.

           وتتنوّع أنماط مؤشّرات الشّاعر التّراثيّة في النّصّ من دينيّة وتاريخيّة وأدبيّة وأسطوريّة، ولكل مؤشّر سيماه ودالاته ومدلولاته ومعناه وحجاجه، وتتشكّل صور نمطية مُفارقة، تتكشّف دلالتها بالحِجاج الذي أوجده الشّاعر ونقّب عنه الباحث.

 


The Semiotics of Pilgrims the Linguistic Signs of Heritage

"(Hatheh Subule Wa Ayame) for Ahmed Nimr Al-Khatib as a model"

 


 

Summary in English:

The heritage indicators are considered one of the thresholds of the study of the text, according to the theory related to modern literature accompanying the study of the modern literary text.

The researcher will study "the semiotics of pilgrimss reductive image of the story"; by reading how the poet employs his heritage symbols and making an icon that reduces behind her story another story, we infer from the pilgrims as one of the researcher's means of understanding and criticizing the text.

As for semiotics, it is a tool for researching semantics, symbols, and indications, and understanding their implications by revealing the poet's purpose of invoking those heritages; Because the apparent meaning of the reader in the first reading is not the intended meaning of the poet if you read his text a second reading, that is, more deeply.

Examining the text demands a variety of readings as well as the ability to undertake pilgrimages, which is required by the poet's use of only conventional signs. Contrary to popular belief, it has evolved into the argumentative picture, which the researcher would pursue, utilising the meaning of the indicator linguistically and linguistic instruments in critical research.

The researcher will be standing with several collections gathered by their owner in one group, which bears a name indicative of his poetic experience, (Hatheh Subule Wa Ayame), and semiotics will follow the traditional indicators pilgrimage, benefiting from the title that indicates that the collections bear stages of the poet's artistic experience.

The patterns of traditional poet's indicators in the text range from religious to historical to literary to mythological, and each indication has its own set of features, meanings, connotations, significance, and arguments. The researcher creates and refines paradoxical preconceptions, the relevance of which is exposed by the poet's arguments.


الجانب النّظريّ:

         يحسّ الشّاعر بنوع من الغربة في واقعه الذي قد يسوده بعض الزّيف، أو التّعقيد، أو التصنّع، فيلجأ إلى الهرب من هذا الواقع، ونشدان عالم آخر، وهذا ما يجده بين أحضان التراث؛ ليستدعِيَه(1).

         ويتّخذ الشّاعر مواقف أثناء استدعائه للتّراث عامة، وللشّخصيّة التّراثيّة خاصة، وهي إمَّا أن يتخذ من الشّخصيّة قناعًا يبثّ خلاله أفكاره وخواطره وآراءه، و إمّا أن يحاورها متحدّثًا إليها، وإمَّا أن يتحدَّث عنها، ولاستدعاء الشّاعر للشّخصيّة التّراثيّة أنماط هي أن تكون الشّخصيّة عنصرًا في صورة جزئيّة، غير كليّة، أو تكون الشّخصيّة معادلا تراثيًّا لبعدٍ من أبعاد تجربته الشّعريّة، أو تكون الشّخصيّة محور القصيدة، أو تكون الشّخصيّة عنوانًا على مرحلة من مراحل تجربة الشّاعر(2).

         وتمرّ عمليّة استدعاء الشّاعر للشّخصيّة التّراثيّة بمرحلة اختيار ما يناسب تجربته من ملامح تلك الشّخصيّة، ومرحلة تأويل هذه الملامح تأويلاً يلائم طبيعة تجربته، ومرحلة إضفاء الأبعاد المعاصرة لتجربة الشّاعر على تلك الملامح، أو التّعبير عن هذه الأبعاد المعاصرة من خلال هذه الملامح، بالتأويل(3)، الذي نفهمه بالحِجاج.

         وتتعدّد صور التّعامل المباشر مع المادة التّراثيّة المُستدعاة، من صورة التّوظيف اللّفظيّ، أو صورة التّوظيف الإشاريّ للأعلام التّراثيّة، أو صورة التّصوير التّراثيّ الجزئيّ، أو صورة التّوظيف التّراثيّ الكُلِّي، أو صورة التّوظيف التّراثيّ المزجيّ، أو صورة استخدام تكينكات الفنون الأخرى(4).. ويمكن أن يشكل الشّاعر من التّراث عنصرًا في صورة جزئيّة، ويمكن ردّ كلّ طرف من أطراف صورته تلك إلى مقابل واقعيّ ماديّ عاشه الشّاعر.

         وقد يشكل الشّاعر من التّراث صورة رمزيّة مفارقة تحمل دالاتها إيحاءات نقيس من خلالها مدى توفيقه في شحن صوره تلك بمعانٍ تخدم رؤيته وتفيد السّياق العام للقصيدة، وتطوّع الصّور الشّعريّة التي استخدمت التّراث في تشكيلها للمقتضيات الفنّيّة، بحيث لا يبدو العنصر التّراثيّ مقحمًا على القصيدة ومفروضًا عليها من الخارج (5).

         و(المؤشّر) حدث قابل للتّأويل كما تدرسة اللّسانيّات، وهو "حادث ملموس يتيح لنا معرفة شيء عن حديث آخر خفيّ" كما عرّفه (بريتو) (6)، وهو "العلامة" عند (بيرت بركلي) ووظيفته تأشيريّة (مثل لوحات الطّرق)، ويصلح إطارًا عامًّا للدّلالة في الصّورة الشّعريّة، وشرط تحقّق استخدامه توجيه الشّاعر لقارئه نحو موضوع معيّن، كونه المُرسِل، وكون القارئ هو المستقبل، مع أهمية تأويل دالات الشّاعر واستجلاب معانيه من حقل الدّالة الكبرى الذي يؤشّر إليه العنوان كعتبة أولى في فهم النّصّ (7).

         و(المؤشّر) "مصدر لعلامة تدرسها السّيميائيّة" التي هي "علم دراسة  أنظمة  العلامات، والإشارات"(8)، و"مكوّنات الدّلائل"(9)، و"الأنظمة التّواصليّة"، و"أنظمة العلامات أيًّا كان مصدرها لغويًّا أو مؤشّريًّا"(10)، و"النّظرية العامة للدّلالة" (11)، و"الدّليل والرّمز" (12)، و"ما يمكن تأويله من العلامات والإشارات" (13).    

         وتدرس السّيميائيّة (المؤشّر) كونه (علامة)(14)، أو (صورة) أو(دال) (15)، وتفترض وجود علاقة بين أي دال ومدلوله (16).

         أما الفرق بين (الإشارة) و(المؤشّر) سيميائيًّا فهو افتراض أنّ الإشارة سابقة على مؤشّرها، وهي التي تجمع بين الدّال والمدلول بكونهما المُعبِّر والمُؤشِّر على ما تم تعبيره من مضمون في صور الشّاعر (17) ومن خلال الإشارة يقفز تفكيرنا إلى منشّط ذهنيّ آخر يستدعيه القارئ من خلال ما يستدعه له الشاعر من مؤثّرات كالمادة التّراثيّة؛ وغرض ذلك إيصال الفهم للقارئ، ففي المؤشر والإشارة سمة من السّمات القصديّة لإيصال المعاني(18)، ويستفيد النّاقد من تنوّع الدّلالات لمضامين الشّاعر(19)، فيدرس مؤشّراتها (20).

         والحِجاجيّة أداة مساعدة لفهم المؤشّرات التراثيّة كإجراء نقديّ تطبيقيّ وظيفته الإقناع، وقد يستعين ببعض مفاهيم التّداوليّة الحديثة، وبعض آليات دروس البلاغة واللسانيات في التّحليل (21).

         وله أنماط هي الوصل والإيصال والاتّصال، أما الحِجاج الوصليّ فيمحو آثار المتكلّم ويظهر المُضمر الخطابيّ المقنع، دون أي مؤثّرات، أما الحِجاج الإيصاليّ فيشتغل بدور المتكلّم في الفعاليّة الخطابيّة، ويركز على القصديّة اللغويّة للشّاعر، أما الحِجاج الاتّصاليّ فيجمع النّموذجين السّابقين فيقف على العمليّة الحِجاجيّة دون الغوص فيها ويشتغل بدور المتكلم والمتلقي معًا في الفعاليّة الخطابيّة ويُركّز على التّفاعل الخطابيّ بينهما مظهرًا التّزاوج القصديّ والوظيفيّ والسّياقيّ ودور المُمارسة الحيّة التي تنبني على الأخذ بالمعاني المجازيّة التي تجعل من الحِجاج بِنية تداوليّة(22).

         ويعمد الدّرس اللّسانيّ إلى دراسة تقنيات [الوصل والفصل]، و[الذّكر والحذف] التي بها يُفهم الخِطاب ويقرَّب بين عناصره ويتوحّد ليُعاد تنظيمه، كما تتّحد فكريًّا ممّا يمكّننا من فهم النّصّ، مع الاتفاق على أن مهمّة الحِجاج الأولى هي [الإقناع] الذي نستكشفه من خلال إيجاد براهين للدلالة على المعنى الذي بسببه استدعى تلك المؤشّرات التّراثيّة، والتي تروي حدثًا من حكايات الشّاعر ولكن بالصّورة الشّعريّة، فنفهم القَصْدِيّة غير المُعلنة التي من أجلها استدعى الشاعر لتلك المؤشّرات(23).

         واللّسانيّة كما الحِجاجيّة تهتم بتوجيه الخِطاب إلى الحُجّة التي من أجلها ساق الشّاعر تلك الصّور الشّعريّة مطعّمنة بالمؤشّرات التّراثيّة التي تخدم مقصده وتؤيّد موقفه، ويستكشف الناقد روابط بين المكوّنات اللغوية للخطاب فيها والمعنى الذي ترمي إليه، من خلال تلك المؤشّرات؛ فيحدّد هدف الشّاعر ويوصله إلى القارئ.

         ويمكن أن يطلق الباحث مصطلح (المؤشّرات التّراثيّة الحِجاجيّة) على تلك المؤشّرات التي سيدرسها بافتراض أنّ لها دورًا فاعلا في صور الشّاعر التي من الممكن أن نطلق عليها مصطلح (الصّورة الشّعريّة التّراثيّة الحجاجيّة) وهي تحمل معنى خفيًّا يزيد من لهفتنا لتتبعه.

         وأخيرًا يمكن الرّبط بين السّيميائيّة والمؤشّرات التّراثيّة والحِجاجيّة كونها وسائل نقديّة تستكشف (الدّليل) وتظه (البرهان) لدلائل التي سنكتشفها في صور الشّاعر.

         وبناء على ذلك فإنّ عمل الباحث هو استجلاء العَلامات اللّغويّة في الصّور الشّعريّة/ سيميائيًّا، بافتراض أنها المُعادل الموضوعيّ للمؤشّرات التّراثيّة/ حجاجيًّا، دون الحكم المسبق على أيّ منها مهما عرفنا عن الشّاعر أو سيرته شيئًا.


 

·      الجانب التّطبيقيّ:

·      أولا: المؤشّرات التّراثيّة الدّينيّة:

·      1- الألفاظ القرآنيّة:

       يُكثر الشّاعر من استعانته بالمؤشّرات التّراثيّة في تشكيل صوره الشّعريّة التي يمكن لنا أن نضيف لها كلمة حِجاجيّة، لتصبح (الصّورة الشّعريّة الحِجاجيّة) إذا كان حديثنا عن الإقناع والتأثير، وسنضيف لها كلمة سيميائيّة إذا كان حديثنا عن الدّال والمدلول، أما التّناصيّة فهي المصطلح الأكثر انتشارًا إذا تحدّثنا عن تضمين الشّاعر لألفاظ من القرآن الكريم أو معان(25)، وانقسمت مؤشّرات القرآن الكريم في صور الشّاعر إلى قسمين هما (الدّوال المُماثلة/المُباشرة، والدّوال غير المُماثلة/غير المُباشرة)، ولقد كَثُرَت دوالّه غير المُماثلة/غير المُباشرة نسبة إلى غيرها من الدّوال المُماثلة/المُشابهة، ومنها أسطر الشّاعر التّالية(26):

ربحوا تجارتهم/20، وشاهد وما شهد/22، وحبل من مسد/24، وغير ذي عِوَج/41، وسِيقَ الّذين اتّقوا/74، وأيامًا معدودات/124، والفَزَع الأكبر/134، وفي شُغُلٍ فكهين/140، وَصَفًّا صَفًّا/184، وأمْر مُستَتِر/220، وأمْر قَدْ قُدِر/220، وأدْهَى وأمَرّ/220، وضَعُفَ الطَّالِبُ والمَطْلُوب/267، وبَعْدَ العُسْرِ يُسْرًا/429، وغيرها ... وهي الأقلّ ظهورًا.

         وصورة التّوظيف اللّفظيّ من صور التّعامل المُباشر مع المَادة التّراثيّة المُستدعاة فيستدعي الشّاعر المُعاصر في سياق شعره بعض الكلمات، أو العبارات التّراثيّة التي يرى أنّ لها القدرة، أو عبقًا خاصًّا يُقوّي من تأثير القصيدة، ومن أشهر هذه العبارات الآيات القرآنيّة الكريمة (27).

         ومن الدّوال غير المُمَاثِلة/غير المباشرة أسطر الشّاعر التّالية:

فَأَلْهَمَهَا الفتى إيقاعَهُ وبُرُوقَهُ/29، وحدائقِي غُلبًا/61، ولا تَقْفُ ما ليس يُجْبَى /69، ولتُطِلّ كالمعنى الأخير بنونها/93، وكي يبوء بإثم المواليد قَسْرًا /155، وما أنْسَانِيْهُ الطّائر من رِيشِ حَنِينِي/218، فهَبَّ مُكِّبًّا على وَجْهِهِ/234، وأسِيرُ جَمِيلا في الملأ الأعلى/272، ورُحتَ إلى المَرْعَى لتَهُشَّ على غَنَمِي/273، وصَكَّتْ ثَغْرَهَا طِيبًا/325، وسِيْقَ الغَمَامُ له/370، وقد كُشِطَتْ حَدَائِقُ غُلْبًا/460، وغيرها... وهي الأكثر ظهورًا.   

         ويمكن الاعتماد على تداخل البُعْدَيْن الأسلوبيّ والتّداوليّ في مقاربة المفردة التّراثيّة الدّينيّة حِجاجيًّا [المباشرة] منها و[غير المباشرة]، ونقف أولا مع عنوان المجموعة (هذه سُبُلي وأيَّامِي) التي يعنون بها الشّاعر إحدى قصائده/40، ويمكن أن يكون نمط هذا العنوان من نمط (العنوان الشّعار) (28)، ونضرب أمثلة على العناوين ذات [المؤشّرات الظّاهرة]، فنقرأ له العناوين التّالية: (يُثقله الوِسْوَاس الخنّاس/120)، و(وسَلام من مَلَكُوت المَاء عليه/474)؛ إذ تشترك تلك العنوانات بمؤشر تراثيّ دينيّ مباشر للوصول إلى حِجاجها المقصود من الشّاعر/المُرسل، إلى المُتلقي/المُستقبل.

        أما العنوان التراثيّ المؤشّر دينيًّا، والأكثر استدعاء عند الشّاعر، والذي يخفي وراءه معنى مُبَطَّنًا فهو عنوان الخطيب لمجموعته التي جاء مؤشّرها إلى (الماء) لفظًا صريحًا وهو (حداثة الماء/421)، وعنوانه (وسلام من ملكوت الماء عليه/474)، وعنون مُؤشرًا إلى الماء ولكن بإشارة مبطنة، فنقرأ له عناوين لقصائده (رهان مطير/155)، و(موجة في نهر/173)، و(السّيل من تحتي/175).

       وتتضمن تلك العنوانات تواصلا لسانيًّا مع مفردة (الماء) كواقعٍ حِجاجيّ يؤشّر إلى تفوّق شاعريّة الخطيب المُبدعة، ولقد تكرّر استدعاؤه لمفردة (الماء) استدعاءً مباشرًا (تسعين) مرّة، وتكرّر استدعاؤه للفظة الماء استدعاءً غير مباشر (ثلاثين) مرة، فالمجموع (مئة وعشرون) مرة، في (أربعمئة وسبع وسبعين) صفحة هي مجموع صفحات سُبُل الخطيب وأيّامه.

      وهكذا يشكّل الشّاعر من مُفردة (الماء) عُنْصُرًا حِجاجيًا في صُوَرٍ جُزئية وأخرى كلّيّة، فيشكّل الشّاعر في صوره من لفظة (الماء) طرفًا تراثيًّا مُتخيّلا، وعلى النّاقد  أن يبحث عن طرف مقابل واقعيّ يشكّل صورة رمزيّة بلاغيّة تحمل إيحاءات الشّاعر، ويقاس نجاح الشّاعر بمدى توفيقه في شحن الصّورة الرّمزيّة تلك بطاقة إيحاءات لا تنفد، هذا من ناحية، ويخدم الشّاعر بتوظيفه لصورة (الماء) السّياق العام لقصائده، ويطوّع المقتضيات الفنيّة لهذا السّياق، من ناحية ثانية، بحيث لا يبدو العُنصر التّراثيّ المتشكِّل من إيحاءات لفظة (الماء) مُقحَمًا على قصائده، ومفروضًا عليها من الخارج، فنجد في صورة (الماء) على تكرارها جِدَّةً وابتكارًا(29)، فيستدعي الشّاعر مفردة (الماء) تناصًّا مُتدَاولا، مع قوله عزّ وجلّ(30):

" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ "

      وفي صورة تشبيهية (31) يصوّر الشّاعر الماء بالخارق، ويصوّره صَانِعًا للشّعر، فيقول/98:                                                                    

... نستصلحُ الأوقَاتَ فينا

وعلى بلاطِ الشّعر نَهْرُ المَاء

يَخْرِقُ مِثْلُنَا أرْضًا وَمَعْنَى

      وفي الصّورة الشّعريّة السّابقة استبدل الشّاعر جنينه الحقيقيّ بجنينه الشّعريّ بفعل (خرق الماء) ولم يعد عقيمًا، ولقد عرّف البلاغيون والنّقاد الصّورة الشّعريّة في جانبها الإجرائي/التطبيقيّ بأنّها الوسيلة التي يعتمد عليها النّاقد لكشف مواقف الشّاعر وتجربته وبيان أساليبه الإبداعيّة فيما يريد إيصاله، وقد اتّسع مفهوم الصّورة الشّعريّة ليشمل ما هو أبعد من الوسائل البلاغيّة التّقليديّة (31).

       ولدراسة الحِجاجيّة في غرض الشّاعر من مؤشّره الدّينيّ ذاك، نقف عند تحليل عنوانه (السّيل تحتي) فعن أيّ سيل يتكلّم؟ إنّه سيل الكلمات = أي الشّعر، فيستدعي الشّاعر مفردة (الماء) مُؤشرًا تراثيًّا دينيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا ظاهرًا منذ مطلع القصيدة، وفيها يجمعها إلى جانب (الإيقاع والناي) وهي من لوازم الشّعر الذي يلازمه على الدّوام، اقرأ مطلع قصيدته القائل /175:

ماءٌ

وإيقاعٌ

ونايْ

شَهِدوا على الأشياء

كانت في مخادعها تُغافلُ صَحوتي

وتقيلُ آثاري لأدفعها إلى النّسيانْ

    ولقد تعددت دوال مؤشرات الشاعر للفظة (الماء) سيميائيًّا، وتوزعت على أسطر تجربته الشّعريّة، وشكّلت حقلا لمعنى حِجاجيّ يبرهن على تفوّق (الأنا) الشّعريّة، هذا أولا، ثم يبرهن على أهمية دواوينه بالنّسبة إليه، وأنّه يعدّها معادلا للولد الذي لم يُرزقه في الواقع (32)، وفي هذا يقول الشّاعر/59:

وأزيغُ عن وَلَدِي

ليَفْتِلَ شاربيه، وطفلتي

كي تحفظَ الأشعارَ من ديواني المنسيّ

في الطّرقات أنشرها

وأرحلُ في علوّ الماءِ يهطلُ من علٍ شَبِقا

        ومثلما تكرّر لفظ (الماء) مُؤشرًا سيميائيًّا دينيًّا حِجاجيًّا فلقد تكرّر استدعاء الخطيب لمؤشرات دينيّة حِجاجيّة أخرى: منها (الوِسْوَاس)/153، وجاءت على صورة مصدر آخر هو (الوَسْوَسَة/80)، كما جاءت تناصًّا مباشرًا/اقتباسًا في عنوان إحدى قصائد الشّاعر: (الوِسواس الخنّاس/125)، ودلّت تلك المفردة إلى جانب مجموعة من ألفاظ أخرى على حِجاجيّة تؤشّر إلى قوة شاعرية الخطيب، وتلك الألفاظ هي [ الدّم + الشّعر + الطّير + الشّجو ] /78-79، و(الوِسوَاس) مؤشر تراثيّ دينيّ سيميائيّ حِجاجيّ يتناص دلاليًّا مع قوله عز وجلّ(33):

" مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ "

      ويقول الشّاعر في مطلع قصيدته المعنونة بـ: (الغريب إليّ غريب عليّ) / 153:

الغريب الذي وسوس الماء في بئره الرّاكدة...

حنّ لي في دمي

واستدار إلى بحره

       فاجتمعت مفردات قصد إليها الشّاعر لتشكّل في إشارتها صورة تراثيّة سيميائيّة الدّلالة، وحِجاجيّة الإقناع، في غير موضع من ديوانه الذي مثّل تجربته الشّعريّة عبر دواوينه فيه، وهي: [الماء + البئر+ البحر+ الدّم]؛ إذ إن الشّاعر مسكون بدوال تؤشّر إلى (شعره)، ودوال أخرى ترمز إلى بواعث شعره، فجعل: (الغيوم) تطير على مهلها فوق سفحه، كما جعل الغريب يَفْرِدُ له سطرَهُ، وقد علا إلى شمسه الواحدة! / 154 .

       وفي المقاطع إشارة إلى تفوّق الشّاعر، وقد كنّى الشّاعر عن (شعره) بصفة (الغريب)؛ لأنه كان غريبًا عنه في البداية، ولم يولد معه، ثم نبغ نظمه ونضج شعره واشتُهِر فتحوّل وصفه له [من غريب إلى حبيب]، وهذا وصف دقيق لمدى العلاقة بين الشّاعر وشعره، إذ قال: الغريب المُسمّى حبيبي، وقال: الحبيب الشّهيّ الّذي وزّع الأغنيات على وَتَرٍ، وقال: هو الآن يُغري حياتي/ 154. يعني (الشّعر).

      ومثله قوله، من قصيدة بعنوان (يراه الناس طُعمًا للعذارى) /341:

يشاءُ الشّعر أنْ يبقى صَديقي

       ولما استقرّ أمر الشّعر عنده ارتوى من الغيوم الطائرة، وتلك الغيوم = هي دالّة حِجاجيّة لتفوّق (أناه) الشّعريّة، وقد تكرّرت لفظة (الأغنيات) عنده مشكّلة مُعادلا موضوعيًّا مُؤشرًا حِجاجيًّا إلى القصائد، كما يقول من قصيدة بعنوان (الأغاني)/206:

وأنا لَدَيّ مِنَ الأغاني

مَا يشيبُ لها الوَرَى

حَرْفَانِ من لدنّ القَصِيدَة

       واجتمعت لفظة (الماء) ضمنًا، مع لفظة (الأغنية) ظاهرًا، في إشارة إلى القصيدة التي تفوّق بها الشّاعر على أقرانه، فيقول /340 :

فجئت بِنَسْر أغنِيتي فَرِيدًا

يُحلّقُ في سَمَا الشّعرِ الرّقِيق

وعَطّشْتُ القَصِيدَةَ مِنْ جُنُونِي

بنشر الطّيبِ

في الرّمزِ السّحيقِ

ويقول/253:

ورُحتُ أفتّش عنّي

فلم أجد الماءَ في دَورق الأغنية

       كما يُصوِّر الشّاعر تعلّقه الشّديد بالشّعر مستدعيًا لفظة (الماء) مُؤشّرًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا، ولكنّها هذه المرّة لم تُستَدْعَ مُنْفَردة، بل مضافة إلى اسم بعدها [ماء حكايتي]، وفي تشكّل معنى الصورة إشارة مبّطنة للشّعر من خلال عنونته لقصيدته (هوى) التي يقول في مطلعها/203:

لا شيء يملكني سِواكْ ...

فانفخْ بمَاء حِكايَتي زمنًا

يكادُ يَفيضُ من شَوقِي على المَعنى

بأنّي حَيثُ يَسْرِقني الهَوَى

أمْشِي وأطْلُبُ أنْ أرَاكْ

عن أيّ هوى يتكلّم الشّاعر؟ إنّه هواه للشّعر، ولا شيء سوى الشّعر.

وبقراءتنا لمجموعة الخطيب الشّعريّة نجد تكرارًا لألفاظ بعينها مُؤشّرًا تراثيًّا دينيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا لـ:(أناه) الشّعريّة، والتّكرار من الوسائــل اللّسانيّة التي تحقّق الانسجام والاتّساق، ويحقّق صفة الحِجاج؛ إذ هو شكل اتّساق مُعجميّ تكمن حِجاجيته في إعادة عُنصر ما لفظيًّا (34).

     ويمكن أن نستنتج من خلال تتبّعنا لتكرار لفظة (الماء) أنّها شكّلت مركزًا للدّوال/الألفاظ المُستدعاة من حولها، فيصوّر الشّاعر في قصيدته المُعنونة بـ (رهان مطير)/155، أنّه عاد من رِهَانِهِ المَطِير، وأنّ الشّعر يغضب منه إذا ما تصالح حبرُه معه، و(الحِبْرُ) مؤشّر تراثيّ سِيميائيّ حِجاجيّ إذا ما اجتمع مع لفظة (الماء)؛ فاقرأ قوله/ 208:  

تَخْطِفُ المَاءَ مِنْ رِقّة المَحْبَرة

في إشارة إلى مخزن معاني الشّعر عنده، وتكون دالّة الماء عنده = القصيدة.

ثم يستدعي الشّاعر (الماء) في صورة تجمع الأضداد معًا مُؤشّرًا إلى مكوّنات شعره، فيقول/156:

... في مَعرِض المَاء

والانتباه إلى سُورَة الشّعْر في فُرْنِ

هذَا الخَيَال

         فكلما لاح له (غيم رهان مطير) أي: نضجت في فرن خياله - والدالّة نسبة إلى تمكّنه من كتابة الشّعر- صار للشّعر سُورة.. وقد جمع الشّاعر بين [الماء + الخيال البئر + الغيوم + المطر] غير مرة، فشكّل مُؤشّرًا تراثيًّا دينيًّا تداوليًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا غرضه الوصول إلى شهادة الجميع بتفوّق (أناه الشّعريّة)، فاقرأ قوله من قصيدة (صورة المرآة) /229-230:

إنّ الفضاء مُعلّق بِدَمِ الكِتَابَة

لا شَكّ أنّ تَفَتُّحِي

يسعى إلى تُفَّاحِه فَتْحًا قَرِيبًا ...

إلى مَاءِ الخَيَال ...

         ومن المؤشّرات التّراثيّة الدّينيّة السّيميائيّة الحِجاجيّة المتكرّرة عند الشّاعر تكراره للفظة (سُورة)؛ فشَكَّل للشّعر سُورة /156، وللجَمَال سُورة /75، وللرُّؤيَا سُورة /39، وللطُّهْر سُورة/420، ويمكن عدّ التّشكيل بالتّكرار عاملا من عوامل الحِجاج التي يبحث خلالها النّاقد في محتوى ملفوظ يؤدّي إلى إيجاد طاقة حِجاجيّة تتشكّل من خلال  كون الملفوظ المُتكرّر في القصيدة حرفًا، أو عبارة أو تركيبًا(35).

         وقد ارتبط استدعاء الشّاعر للفظة (السُّورة) بتصويره لنفسه بـ: [نبيّ الشّعراء] /75، في بدايات تجربته الشّعريّة، ثمّ بقيت معه صفة (النّبوّة) وقد نضج شعره الّذي التصق بدالّة (المَاء) مُؤشرًا تراثيًّا حِجاجيًّا، ليصبح أشبه (بتعاليم الأنبياء)، فقال/123:

وصِرْتُ لِفَرْطِ يَقِينيَ مَرْهُونًا

فوق المَاءِ نَبِيًّا مَرْهُونًا بِتَعَالِيمِ المَاء

ويقول/461:

وأهيمُ في وادي الخَيَال مُنَبِّئًا

         فـمؤشر قول الشّاعر: [وادي الخيال] ينسجم مع مؤشّره في قوله: [بئر الماء]؛ وهما يؤشّران إلى حِجاجة (أناه) الشّعريّة، وسيماءُ دالتِهِما قيادتُهُ للشّعراء وتفوقُهُ عليهم.

         كما أشّر الشّاعر إلى نفسه فاقل: [أمير الشّعراء] /256، بدالّة مؤشرة واضحة لفظًا صريحًا فقد قال:

أمّرني الشّعراء/256

         وبعد أن نضجت تجربته، وشكّلت قصائده (سورة)، التفت إلى أقرانه من الشّعراء، مُصوّرًا إيّاهم وهم يبحثون [عن كل سورة ضائعة] /466، مما ميّزه على أقرانه، ولعلّ دالّة مؤشر [السّورة] = تعادل موضوعيًّا دالّة مؤشر [القصيدة] أو الصّورة الشّعريّة فيها، إضافة لما تحمله لفظة [النّبيّ] من أبعادٍ دلاليّة معادلة موضوعيًّا ودلاليًّا لحِجاج تفوّقه في (الأنا) الشّعريّة على أقرانه من الشّعراء.

         ولم ترتبط دالّة مؤشّر (الماء) بالتّعاليم فقط، كما مرّ في قول الشّاعر: [تعاليم الماء]/123، بل ارتبطت بنسق الأسلوب الإضافي بالرّوح، كما يقول الشّاعر: [روح الماء]/124، ولم يقف الأمر عند هذا الحد! بل صوّر الشاعر الماء بـ (الوَحْي) وجعله مُؤشّرًا تراثيًّا دينيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا إلى الشّعر، فعَادلَ الشّاعر = النّبيّ، وعَادلَ شعرُهُ = الوَحْيَّ، حِجاجًا على من يدّعي أنّه ليس بشاعر.

         ولقد اختار الشّاعر لأيامه أن تمتلئ بالكتابة الشّعريّة، وكان ليل الشّاعر مختلفًا! فيحضر إليه [جنيّ الشّعر] كما يقول/34، 114، وهكذا فقد تجمّع لدينا دالات تؤشّر حِجاجيًّا إلى الشّعر وتفوّق الشّاعر به، وذكر الشّاعر تلك الدالات فرادى، أو ثنائية مع دالّة أخرى، كقوله/60:

فأرى على بابي أمورًا غازياتٍ

تطرحُ الأحداثَ بين الماءِ والمرآةِ

         والدّالات المؤشّرة إلى الشّعر هي [القهوة / 34(36)+ المائدة/351 + المرايا/60 + البحر/351 ]، وتتحقّق هنا خصائص النّصّ الحِجاجيّ التي منها تقرير المعطيات من الشّاعر بصفته المُحَاجِج والمدافع الأقوى عن شعره، وهو صاحب التّبرير الأقوى، وصاحب أقوى برهان قد يبينه إلينا(37).

         وفي المجمل فإنّ الشّعر هو كلّ حياة الشّاعر/177، ودواوينه هم أبناؤه بديلا عن أبنائه الّذين لم يُرزقهم، اقرأ قوله من قصيدة (سيرة تمشي) /61: سيرة تمشي / بلا ولدٍ يتعتع و[ ماء القصيدة .. يقذفه الشّاعر .. ليخلق المعنى جنينًا ..] فيكون الديوان بديلا لجنينه الحقيقي الذي لم يرزقه / 98] كما يقول الشّاعر من قصيدة بعنوان (خبر يقين)/226: [وسُقْتُ لها جَنينَ الماء].

         وتتكرّر إشارة الشّاعر إلى تبنّيه القصيدة بديلا عن وجود ابن له لم يُرْزَقه، ومن أكثر تلك الدّالات مباشرة قوله/273:

وكنتُ له كالنّفخِ في الصّلصالِ خيرَ أبِ

         في إشارة إلى النصّ الشّعريّ، فتتشكّلُ الدّالّة التّراثيّة الدّينيّة المؤشّرة إلى حِجاج الشّاعر كما في الجدول التالي:

المؤشّر التّراثيّ

المدلول

المعنى المُحاجَج عليه

نفخ في الصلصال

الخلق من العدم

القصيدة هي الابن، والشّاعر هو الأب

 

         ونحن إذ نوافق على تلك النتيجة الحِجاجيّة من خلال مؤشّرها التّراثيّ السّيميائيّ الدّينيّ، فلقد تتبّعنا تجربته في دواوينه التي تشكّل سيرة شعريّة بامتياز؛ إذ ذكر اسم أمّه /45، وكثيرًا ما كان يذكر (أخاه الشّاعر)، وأباه، وذكر أخته، وهو بذاك يُعادل بالحِجاج واقع معيشته، وتتعادل عند الشّاعر تجربتان: حياته وواقعه وشعره وشهرته، فتفسِّرُ سيميائيّة دالات صوره الشّعريّة التّراثيّة الحِجاجيّة بعض أحداث سيرته، ويمثل الشّاعر فيها دور المُحتَج الذي يعمد إلى تأكيد خطابه الحِجاجيّ من خلال تمثله لواقعه هادفًا في استدعاء تراثياته إلى استدعاء سيرته وواقعه وتشكيل صُورة حِجاجيّة أكثر إقناعًا وتأثيرًا في نفس المُتلقي (38).

         ثم يكرّر الشّاعر تبنيه لقصائده، وينعتهم بأبنائه، وأنّه خير أبٍ لهَا / 273، وأنّ طائره قد ارتوى بمائه /382، كي يزهو ويكون للعارفين رمزًا /382، في حين يبقى غيره من الشّعراء هم الظامئون/413، فدلّل استدعاؤه للفظة (الماء) على الشّعر الذي يتميز به الشّاعر، وختامًا، فقد جمّعت لفظة (الماء) إلى جانبها دالات، ومكّنت الباحث من استنتاج سمياء مؤشّرها الحِجاجيّ الرامي إلى مدلول [تفوّق الأنا الشّعريّة] عند الخطيب.

·      2- الشّخوص القرآنية:

·      2/1-النّبيّ يُوسُف عليه السلام:

        لقد غلب استدعاء الشّاعر لشخص النّبيّ يوسف – عليه السلام – مقرونًا بدالات قصّته القرآنيّة، ومن خلال تكراره للفظة بعينها هي لفظة (البئر)، وقد شكّل هذا الاستدعاء المتكرّر صورة من صور المادة النقديّة التي اعتمدها الباحث في نقده للتّجربة الشّعريّة المتمثّلة به، ولفظة (البئر) مؤشّر غير مباشر دلَّ حِجاجيًّا على تفوّق الشّاعر، ويمكن استنتاج ما يقصده الباحث، في الجدول التالي:

المؤشّر التّراثيّ

المدلول

المعنى المُحاجَج عليه

البئر

الماء

أنا الشّاعر

قصة النّبيّ يوسف عليه السلام

ألفاظ الشّعر/256

صَنَعَ الشّاعر دولته من الشّعر/473

         ولقد تكرّر استدعاء الشّاعر لقصة النّبيّ يوسف –عليه السلام - غير مرة، وكان استدعاؤه لها من خلال دوال (البِئر) و(الحِكمة) و(الذّئب)، وأفرد الشّاعر للقصّة قصيدة قصيرة جدًا اكتملت لوحتها، وشكّلت حِجاجًا يمكن قراءته من خلال دالات [الماء + البئر + والارتواء] وهي مؤشّر تراثيّ سيميائيّ حِجاجيّ يظهر في قصيدة له بعنوان (حِكمة)، إذ يقول/ 203:

سقط الشّاعر في الجبّ

فقالت امرأة: حكمته الماء

شرب الشّاعر من بئر المعنى

قالت امرأة: سقط الشّعراء!

ويؤشر الشّاعر بالإحالة - في موطن آخر - إلى البئر، فيقول/183:

وأمشي إلى آخر البئر

        إنّه (بئر المعنى) الذي يحيلنا إلى (بئر قصة النّبيّ يوسف – عليه السلام-)، وتعدّ الإحالة من الوسائــل اللّسانيّة الحِجاجيّة، وتكمن حِجاجيتها في أنّ العناصر المُحيلة لا تكتفِ بذاتها من حيث التّأويل، إذ لا بد من العودة إلى أساس القصّة من أجل تأويل تلك العناصر ومعرفة حِجاجيتها، وهنا يبحث النّاقد في الإحالة النّصيّة التي نفهم حِجاجها بما نفسره من جمل شعريّة قبليّة لها أو بعديّـة (38).

         وأصبحت قصّة الشّاعر المعاصرة، معادلا موضوعيًّا لقصّة النّبيّ يوسف-عليه السّلام-التّراثيّة، وقد سقط الشّاعر في بئر المعنى فصارت حكمته (الماء)، وولّد من صورة سقوطه في (الجُبّ/البئر) المعادلة لصورة سقوط (النّبيّ يوسف – عليه السلام) حكمة من نمط آخر؛ حين تفوّق، وأسقط مَنْ حوله من الشّعراء، فقال: [تعود الحكمة للبئر/217]، وقال من قصيدة بعنوان (غيم السّجن)/219 :

الحِكمة جمّلها الذئبُ

         وهي إشارة إلى ذئب حكاية النّبيّ يوسف – عليه السلام – الذي صار رمزًا لكلّ خدعة، ولكن خدعة الشّاعر من نمط خاص؛ إذ جعلت منه شاعرًا، ولم تصدّق قولهم عنه: إنّه بريء من ذئب الغفلة/138، أو ذئب اللعبة/138.

ثم استدعى الشاعر القصّة فصوّر نفسه /272:

ينام نبيًّا في بئر الحكمة!

ويمكن أن نستنتج المؤشّر التّراثيّ الحِجاجيّ التّالي:

الدّالّة

المدلول

المعنى الحِجاجيّ

نبيًّا في بئر

قصة النّبيّ يوسف عليه السلام

حكمة الشّاعر في شعره

 

2/2-النّبيّ يُونُس عليه السّلام:

       يستدعي الشّاعر النّبيّ يونس– عليه السلام - دون أن يصرّح باسمه، معتمدًا على ما يضمره لاوعي القارئ؛ فبدلاً من التّصريح بأي حدث ملمحيّ للشّخصيّة أضفى على شخصيّته ملامح معاصرة تتمثّل شيئًا من تجربته الشّعريّة (39).

      ومثلما استدعى الشّاعر قصّة النّبيّ يوسف عليه السّلام باستدعاء (البئر)، فإنّه يستدعي قصّة النّبيّ يونس عليه السّلام باستدعاء (الحُوت)، ولا حوت دون ماء يعيش فيه، وقد استدعى الشّاعر الحوت أكثر من مرة (40) مرة في المجموعة، ويؤشر من خلاله إلى القوّة، والتّفوّق، كما قال/41:

وألّبتُ الحصى في النّهرِ ضدَّ الحوت

      وصوّر الشّاعر حوته، في صورة مفارقة لصورة حوت النّبيّ يونس -عليه السّلام- فقال/139:

وعلى شاطئِهِ البَحْرُ رَمَى حُوتًا

       ففي القصّة الأصل رمى الحوت على شاطئ البحر النّبيّ يونس عليه السّلام، وهنا صور الشاعر العكس؛ إذ ارتمى الحوت بكامله، وإنّ فَقْد الأصل يُفْقِدُ التّفاصيل كلّها، والنّتيجة التي نستنتجها حجاجيًّا أنّنا نفقد كلّ شيء؛ فلا بحر لنا ولا شاطئ ولا حتى حوتًا نلجأ إليه ونقوى به.. فقال/295: [تاه الحوت كثيرًا في المعنى] والجدول التالي يلخص ما يريده الباحث:   

الدّالّة

المدلول

المعنى الحِجاجيّ

الحُوت

الماء

أنا الشّاعر

قصة النّبيّ يونس عليه السلام

الشّعر

الشّاعر قويٌ مثل الحُوت وإذا غاب الحُوت حضر الشّاعر

 

2/3-النّبيّ نُوح عليه السّلام:

      مثلما استدعى الشاعر قصّة النّبيّ يوسف عليه السّلام باستدعاء (البئر)، وقصّة النّبيّ يونس عليه السّلام باستدعاء (الحوت)، فإنّه يستدعي قصّة النّبيّ نوح عليه السّلام باستدعاء لفظة (الطّوفان)، وتبقى الحِجاجيّة واحدة، فلا طوفان دون ماء، وقد استدعى الشّاعر الطوفان مرة واحدة مُؤشرًا إلى قوّة ما يلاقيه ممّن حوله من المثبّطين، فقال/177:

مَن لي بهذا البيت؟

كي أجاري سُلَّمَ الكلمات في هذا اللسانْ

مَن لي به؟

ووجدتُ شيئًا ما قريبًا من حياتي

قلتُ أحْمِيه مِنَ الطّوفانْ

       فاختار الشّاعر الشّعر حياةً له، وصوّر الطّوفان ملمحًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًا مُؤشرًا إلى أولئك المُحبطين الموجودين في كلّ مكان. كما تشير أسطر الجدول التالي الملّخصة لما يريده الباحث:

الدّالّة

المدلول

المعنى الحِجاجيّ

الطّوفان

الماء

أنا الشّاعر

قصة النّبيّ نوح عليه السلام

الشّعر

الشّاعر قويٌ ضِدَ طُوفان المُحبِطين

 

·      ثانيًا: المؤشّرات التّراثيّة التّاريخيّة:

·      1-الموروث العلميّ:

         يُكثِر الشّاعر من استدعاء مؤشّرات (مصطلحات علم العَروض) التّراثيّة السّيميائيّة الدالّة على تفوّقه الشّعري حِجاجيًا، ولم تكن المؤشّرات العَروضيّة هي فقط الحاضرة عند الشّاعر، فقد حضرت دالات موروثنا النّحويّ، والبلاغيّ كذلك، وحِجاج حضورهما هو ذات الحِجاج المؤشّر إلى تفوّق (أناه) الشّعريّة؛ فعنون قصيدة بـ (نون النّسوة/277)، وافتتح أخرى بـ (نون النّسوة/279)، ويمكن عدّها تلك الاستدعاءات مؤشّرات حِجاجيّة (41) وهي دالة على تفوّق الأنا الشّعريّة، ومن المؤشّر البلاغيّ نقرأ قوله/30:

... على طِباق الحرفِ

أو حرفِ الجِناس إذا تولّى صُورة الأفعال

فانتبذتْ مَلاذًا للخُروق

         وكَثُرَت مؤشّرات الشّاعر لدوال موروثه العَروضيّ، نسبة إلى مؤشرات موروثه النّحوي والبلاغيّ، فبدءًا من استدعائه لشخص الخليل –رحمه الله-، إلى استدعائه عددًا من مصطلحات العروض/ 217، 225،264، 275، 303، 372، 375، 379، 385، ومنها المؤشّرات التّالية (حرف الرويّ)، و(البَحر الشّعري)، و(حركات المُحدث) و(فعلن) و(أوزان)، ويمكن عدّ تلك المؤشّرات عوامل حِجاجيّة لتفوق (أناه) الشّعريّة (42).

         ونقف مع قصيدة جمعت بين مؤشراته العروضيّة ومؤشراته الأدبيّة، فيؤشر الشّاعر إلى شخصية أدبية تراثية معروفة هي شخصيّة (ابن المقفع)، ويستدعيها معنونًا بها قصيدته بـ: (هواء ابن المقفع/371)، ثم يستدعي في القصيدة بعض موروثنا العَروضيّ فيؤشّر إلى ألفاظ [المُرفّل + المُصرّع + والخليل + وزرياب + ومفاعيلن + ومفاعلتن + وفعولن] ويدلل حجاجيًّا على تفوّقه في الشّعر، فيقول/372:

لهذا جئتُ بالحرف المدوي

ويقول/373:

كأنّي مذ جمعتُ الليلَ حرزًا

تباهى الطيرُ في عزفي وقطّع

         فأذاب الشّاعر المؤشّر التّراثيّ الأدبيّ في المؤشّر التّراثيّ العَروضيّ، ولم يُغْفِل استدعاء المؤشّر التّراثيّ الدّينيّ (الماء + بنات حوّا) ونتج عن ذلك حِجاجًا يثبت تفوّق (أناه) الشّعريّة، ومع التّناغم، وحضور البرهنة التي تتقبّل تلك الحُجج وتقتنع بها، حقّق الشّاعر هدفه دون قصديّة معلنة، بل بمؤشّرات تلقى أثرًا في نفس المتلقّي، وهو ما يعبّر عنه اللّسانيون بالوظيفة الإيحائيّة الظّاهرة للكلام، بالإضافة إلى إتقان الاستدلاليّة بالسّياق العقليّ الذي يُبْنَى عليه النّصّ حِجاجيًا(43).

·      2-الشّخوص التّاريخيّة:

·      2/1-هَارُون الرّشِيد:

         استدعى الشّاعر الخليفة هارون الرّشيد استدعاء غير مباشر، في مؤشّر إلى سعة مُلكه، معادلا بين سعة شهرة الشّاعر، وسعة الدّولة في عهده، حينما عبّر عن دالّة قَوْلٍ نُقِلَ عنه، وقد خاطب الغَمَامة: "يا أيّتها الغَمَامة أمْطري حيثُ شِئتِ، فإنّ خَرَاجكِ لِي"(44)، فاستفاد الشّاعر من الحدث وأشّر إليه في العنوان (كليم النّدى/446)، لغرض حِجاجيّ ضمّنه قصيدته التي رثّى فيها صديقه الشّاعر (خميس لطفي) مؤشّرًا إلى تفوّقه وسعة شهرته، وذاكرًا دوال منها ما تعرفنا إليه وهي تحاجج عن شهرته مثل [البحار + الرّيح + البرق + الدّيَم + المَاء].

         وبعلوّ شأن الشّعر عنده، يكون قد أعلى من شأن الشّاعر، وشأن نفسه وشعره؛ لأنّها (أنا) الشّعر التي تحضر من اللاوعي الجمعيّ عند الشّعراء؛ لتُعليَ من قيمة كلِّ شاعر متميّز، وتؤشّر بدالات إلى الشّعرِ المتميّز وصاحِبِهِ، فحكى الشّاعر عن منزلة شعر صاحبه، مُحاكيًا منزلته المتميّزة فيه. فيقول/446:

قالوا يُعقّد في الإيحاء جملته

فقلتُ: هل من دمٍ يسعى إذا لُجِما؟

       وهكذا حقّق الخفاء من خلال مبدأ (الحذف) أداة من أدوات الانسجام في النّصّ؛ لأن الناقد يبحث عن الجملة التي لم يقلها الشاعر صراحة، ودللت عليها مؤشّراته، وشكّلت علاقة ما داخل النّصّ، ومكّنت الناقد من استكشاف الحِجاج وملء الفراغات التي أخفت وراءها جملا وعبارات يريدها الشاعر ويسعى لها من خلال ما أبدعه من شعر (45).

2/2-المتنبي:

      استدعى الشّاعر المُتنبي استدعاء مباشرًا، أي اسمًا ظاهرًا وجعل من صورته الشّعريّة مُؤشرًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا للدّفاع عن نفسه، ضدّ من اتّهموه بأنّه [لا يتقن فنّ الشّعر/186] فكرّر الشّاعر استدعاءه لدالتين تؤشران إلى (تفوّق شعره) هما [الدم+ والحبر]، فيقول من قصيدة له بعنوان (تناص) / 186-187:

رأيت حفيدَ المُتنّبي

يكتب جُمْلَتَهُ

بِدَمٍ مِنْ حِبْر..

وقدّمتُ وَلائِي للمُتَنّبي

هل كانَ حَفيدُ المُتَنّبي يَعْرِفُنِي

أم كنتُ أنا المُتَوَرِّطَ في جُمْلَتِهِ...

على وَرَقٍ وَتَنَاصّ؟!

     وصوّر الشّاعر المُتنبي قارئًا لشعره، بل من حرّاس شعره/224، وهكذا يمكن لنا أن نستنتج بالحجاج سبب ورود دالّة (المُتنبي) إلى جانب دوالّه المؤشّرة على تفوّقه الشّعريّ، من [ماء + قهوة + مائدة + إيقاع + مرايا + بحر] إذ شكّلت في مجملها مُؤشّرات تراثيّة سيميائيّة حِجاجيّة لتفوّقه على أقرانه، فيقول من قصيدة بعنوان (حرّاس)/224:

والمتنبي أولُّ مَنْ يقرؤني

            وباستدعاء الشاعر للمتنبي استدعاء مباشرًا، يكون قد برهن على حجّته في التّفوّق وأقنعنا على صحة مؤشّره، قصدًا مُعلنًا (46).

2/3-امرؤ القيس:

            استدعى الشّاعر امرأ القيس استدعاء غير مباشر من خلال سطرين من قصيدة طويلة له بعنوان (الجهات/64)، قائلا /80:

فاحتاجَ مِثلي امْرؤ المَاء عُمْرًا مُؤَجَّل

ليدخلَ في الأمر

           فامرؤ القيس هو المعادل الموضوعي لحال الشّاعر المهاجر الذي احتاج عمرًا ليتفوّق في الشّعر، أما اجتماع مؤشّري (امرئ + الماء) معًا ففيه عودة إلى مؤشّر (الماء) الذي اتّفقنا على إشارته إلى (الشّعر)؛ وامرؤ لفظة تاريخيّة الانسجام، ومكانها في المعجم العربيّ محفوظ لذلك الشّاعر الأوّل زمانيًّا من حيث معرفتنا بالشّعر المُدوّن في الجاهليّة كما قال النّقاد العرب القدماء، والشّاعر إذ يستدعيه بالالتفات فإنّما يلتفت إلى قصّة (مَلِك شاعر ومهاجر) قد خلّده شعره، وهو ما أراده الشّاعر من استدعائه لمؤشّر (امرئ الماء)، ثم يقول إتمامًا للصّورة الشّعريّة: [لتخلدَ / أو لتعودَ بريئًا من الظنّ]/ 81 وجوابا لمن اتهمه بأنه ليس بشاعر، قال: [.. شاعر ظلّ مثلي وفيًّا / .. لأبنائه إذ يُحيلُ البناء إلى سيرةٍ / والحياة إلى سورة في كتابٍ قديم / ويملكُ مثلي حِصْنًا حَصِينًا / سلامٌ عليّ / على الشّعر يَغبطُ أفراسَ نفسي ... / كأنّ القصائد أرجوحةٌ للمُغَنّي.. / .. في الحرفِ كافُ الخُلود] /84.

·      المؤشّرات التّراثيّة الأدبيّة:

·      الأمثال الفصيحة والشّعبيّة:

         أحبّ الشّاعر حياته؛ لأن الشّعر جزء كبير منها، وألِفَ الشّعر وأَلِفَه، كما يقول من قصيدة له بعنوان (حِسْبِة العُشّاق) /26، وعادلت له دواوينه الأبناء الذين لم يرزقهم! فيستدعي الشّاعر مثلا عربيًّا تراثيًّا شكّل مُؤشرًا سيميائيًّا حِجاجيًّا على حياته الجديدة، وذلك في قصيدة بعنوان (خبر يقين) /226 فيقول:

ويدي تشيخ وتنحني...

سبحان من جَبَلَ الحِكَايةَ كلَّها...

" وكلُّ جهينةٍ خَبَرٌ يَقِينٌ "

         إنّها هي ذات جهينة التي عندها الخبر اليقين في المثل المعروف:

[وعندَ جُهينةَ الخَبَرُ اليَقِينُ] (47)

         ويقال المثل عند الرّغبة في معرفة الأخبار الصحيحة، ومن هنا صار خبر شيخوخة الشاعر وتقدمه في العمر دون أن يكون له ولد خبرًا يقينًا يعادل أخبار جُهينة.

         كما استدعى الشّاعر مثلا آخر استدعاء مباشرًا، فقال من قصيدة له بعنوان (تاريخ)/242:

فرخ البطّ تقول الأسطورة عوّامًا

ويمارس لعبته في الموجِ

ويكتب في سفر الأرضِ

هنا وُلِدَ التاريخ

    فدالتا (الموج) و(السِّفْر) تؤشّران إلى ما حاججنا عنه سابقًا من معنى تفوّق الشّاعر وشهرته، وهنا يؤكّد لنا أنه بذاك قد وُلِدَ له تاريخ جديد.

    ومن الأمثال التّراثيّة الشّعبيّة التي استدعاها الشّاعر استدعاء غير مباشر مَثَل (لا يموت الذّيب ولا يفنى الغنم)، واستدعاه مرتين وبطريقة مفارقة عما هو معلوم من ترتيب ألفاظ المثل، وسبق لنا أن وقفنا عند (الذّئب) مُؤشرًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا قصصيًّا دينيًّا انتمى إلى قصة النّبيّ يوسف -عليه السلام-، وهنا جاء مُؤشرًا تراثيًّا شعبيًّا ينتمي إلى ذاك المثل الشّعبيّ الذي يطلق على الاعتدال في التّصرّف وعدم المُغالاة، واستدعاه الشّاعر بصورة مفارقة عمّا يشيع تداوله بين الناس، وبتحليل القصيدة المعنونة بهذا المثل نستنتج حِجاجيّة الشّاعر التي يريد إخبارنا بها وهي أنّه لا (ولد) له [ يعيد له التّراجم والطّقوس]، وأنّه [قابض على أيّامه] التي أشّر لها بمؤشراتٍ إلى مدلول (الشّعر)، فهرب من اشتهائه لأن يكون له ولد إلى ما جعلها معادلا لأهمية الولد واستحضر مؤشرات (قافية القلم + والمشي على الماء + وبحر الأغنيات + وقصره المنيف من الذّكريات + واشتهاء بَرْدِ القِمَمْ) وهو يقول/36-37:

هو قابضٌ مِثلي على أيَّامِهِ

لِيَرُدَّ لي أيضًا مَهَارَتَهُ

وبعضَ شَبَابهِ

وسُكُونَ قافيةِ القلمْ

يمشي على ماءٍ ومزجاةٍ ببَحْرِ الأغنياتِ

كأنّه يدنُو منَ القَصْرِ المُنِيفِ على رصيفِ الذّكرياتِ

ويَشْتَهِي بَرْدَ القِممْ

         وتلك المؤشرات تدعم حجاجه في إثبات تفوّقه وعلة الأنا عنده، ثم استدعى الشّاعر طرفًا آخر وفصّل في الصّورة الواقعيّة كأنّه يسجّل سيرة له؛ فصوّر الأنثى التي تجاريه على نسيان ألا وَلَدَ لَهُ، وصوّر أبناء حارته.. ثم ختم القصيدة بأنّهم جميعًا قد شكّلوا حِجاجًا في (سورة الرّؤيا) التي تقول (يموت الذّيب أو يفنى الغنم)/40 أي أنّ حياته ستمشي دون أن يكون له ولد وسيموت وسيفنى الغنم من بعده، أي أولاده؛ واستبدل الأولاد بالدواوين التي هي سرّ خلوده، بدلا من أن يُخلّد اسمه من بعده ولد، وهكذا استقام له تعديل المثل وتعادل الطرفان عنده [إنْ مات الذّيب = فَنِيَ الغَنَم] وإنّها حالة من الصّراع يتساوى فيها حدثان من نمطين مختلفين، فإنّه إن مات الذّيب فلنْ يفنى الغَنَم، ولكن الشّاعر استدعى المثل استدعاء مفارقًا للمُتداول في قصته محاججًا لنا أن سيموت وسيفنى ولن يذكره أحد؛ فلا ولد له، وهكذا كشفت لنا سيماء مؤشّرات الشّاعر التّراثيّة حِجاجيًّا جانبًا من جوانب نفسيّته وصراعه الذي يحياه في سيرته.

·      المؤشّرات التّراثيّة الأسطوريّة:

    استدعى الشّاعر دالة أسطورة الفينيق (49) استدعاء غير مباشر، ويؤشّر بالحِجاج إلى بدايات تجربته التي تشبه بعث طائر الفينيق من رماده! وذلك في قوله/87:

وأنزلتُ لي من سماء النّحاس نُجومًا..

فصلا لميقات نومي وبعثي

       كما استدعاه مباشرًا في عنوان قصيدته (طائر الفينيق) / 157، واستدعاه ملتصقًا بدالته الأكثر تداولا في الديوان، وهي لفظة (الماء) التي اتّفقنا على أنّها المعادل الموضوعيّ لشعره وإبداعه، وفي هذا يقول مباشرًا/159:

فهل أيقنتَ أنّ الماء في شعري

حياة تبعثُ الفينيق

في منظومة الأذكار والأشعارْ؟

ثم استدعاه في صورة مباشرة، فقال/228:

الطّائر انبعث الرّماد على يديه

         والنّتيجة الحِجاجيّة لتلك الدّوال في الصّورة الشّعريّة التي استدعى الشّاعر فيها الفينيق مستفيدًا من الأسطورة، هي أنّ الطّائر = هو الشّاعر، والبعث من الرّماد = صورة معادلة لتفوّق الشّاعر في نظم الشّعر، بافتراض أنّ خصائص النّصّ الحِجاجيّ تُبنى على مؤشّر يُدلّل عليه الشّاعر، ويستدعي له سيما قد تكون تراثية، ثم يشكّل ذلك في صورة شعريّة تنهض بالحكمة والقيمة والحجّة، ويمكن قياس أثر ذلك من شدّة تفاعلنا واقتناعنا بما يقول (48).

    واستدعى الشّاعر دالة زهرة اللوتس (50) مُؤشرًا تراثيًّا أسطوريًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا دالا على إبداعه الشّعري؛ فيستخدم رموز قصّتها السّيميائيّة لتصوير دلالات عميقة تؤشّر إلى (الحبّ) الذي أعاده إلى حيث النّدى والطّيور مفتونًا بنبع المدينة التي يشاركه الحبّ، وهكذا نعيد مدلول الماء إلى الشّعر، وكما يمنح الماء طيور المدينة وأغصانها الخلود يمنحه الشعر الخلود في معادلة موضوعية، وإن وَسْوَسَ العاذلون وقالوا عنه بأنّه ليس بشاعر، كما يقول من قصيدة (ريش الحكاية) /235:

اقطفي زهرةَ اللوتس

مشّطي شَعْرَ ريحِ الأساطير...

اقطفي سَوْسَن الحبّ طِيري إليَّ

كما أنّني سأطير إليكِ...

كم من الشّعر ينتفُ ريش الحكاية

كم من سرايا دمي تشتهي ما لديكِ؟

         فالشّاعر = هو الطّائر العاشق، أما دالة (الحكاية) فقد تكرّر ظهورها في الدّيوان غير مرة، وهي سيما تبعث الاتّساق والانسجام وصلا بين عناصر الصّورة؛ لأنّنا نعي أنّ الشّاعر لا يفصل بين شعره وسيرته، وريش الحكاية هو المعادل الموضوعيّ لمدلول المحبطين من حوله؛ فكلّما ازداد شعره شهرة كلّما نتف من ريش حكايتهم المُحبطة له ريشة!

         واستدعى الشّاعر دالة أسطورة سيزيف (51) مُؤشرًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا، في قوله من قصيدة بعنوان (توابع)/244:

لكنّ صبركَ يا سيزيفُ أنتَ على

آثارِ أيّوبَ مَهجُورٌ ومَبطون

         فعلى ماذا صبر الشّاعر = الذي هو المعادل الموضوعي لصبر سيزيف؟

         لقد صبر على مجاوزة الرّحم لأحماله، وفي لفظة (الرّحم) تورية تحمل معنين الأول: رحم الأهل، والثّاني: رحم الأنثى، ويؤكّد ترجيحنا إلى المعنى الثاني حجاجًا، قول الشّاعر: وصار عندي كلّ طين بماء الشّعر مجبول، فحلّ الشّعر مكان أبنائه الذين لم يأتوا من طينه، فقال / 244:

طيني من الأرض، أم شُذِّبْتَ يا طينُ

         وأخيرًا يصنع الشّاعر أسطورته الخاصّة به، وفق دالّة أسطوريّة مؤشّرها لفظًا صريحًا مباشرًا؛ فاستحضر (الوردة/الأسطورة) لمدلول هو (الشّعر) وذلك في مطلع قصيدة له بعنوان (فاتحة الصّورة)؛ إذ يقول/279:

الوردةُ مُنذُ العَزفِ الأوّلِ

سيّدةٌ أسطُورَة

    وللشّاعر قصيدة بعنوان (باب الأسطورة/257) يؤشّر فيها إلى دالات أسطورية تعادل في معناها = شعره المتميّز من خلال تتبعنا لأقواله: [مفردة له في النّص] [يزيّنها]، و[يدوّنها فوق جناح الرّيح]، و[يقطف لؤلؤها ويذوب]؛ فهي ليست مفردة عادية، بل هي مفردة خارقة مثل الأسطورة.

         ومن الأساطير العربيّة التي استدعاها الشّاعر مُؤشرًا تراثيًّا سيميائيًّا حِجاجيًّا أسطورة (وادي الجن) إذ يؤشّر على تفوّقه في الشّعر؛ فنقرأ من قصيدته (الواشي)/468:

... ووشَى بِي عند جِنّيّ وَادي الشّعر

فاتصلتْ رُوحي به

فأقامَ اللحمَ مُفترشًا

لكنّه الدُّرُّ يُخفي في تموّجه

         ويبقى الواشون حاسدين كلّ مبدع على إبداعه، ولم يسلم أيّ مبدع من حسد الواشين، وها هو شاعرنا يُغرّرُ به ويُحكى عليه وعلى شعره، وقد صوّر ذلك في قوله/468[...أجاز دمه في سرّه ومشى]، يعني (الواشي) ثم تفوّق على كلّ ما قيل عنه، ووصلت شهرته الدّنيا/469: [وساريته من سحرها انفجرت]!


- الخاتمة، ونتائج البحث:

         لقد حاجج الشّاعر بدالاته السّيميائيّة للاعتداد بشعره وإبداعه، واستدعى ما خدم حجاجه من مؤشّرات تراثيّة، ونوّع بها فمن دينيّة إلى تاريخيّة أو أدبيّة أو أسطوريّة، وقد غلب استدعاؤه للنّمط التّراثّيّ الدّينيّ ملفوظًا مباشرًا على غيره من الدّالات.

    وتكرّر استدعاء الشّاعر لدالة (الماء) على غيرها من الدّالات، في مؤشّر لسيما (الخَلْق)، وحاجج بها على تفوّقه في الشّعر، وارتسم مثلث الفهم السّيميائيّ عنده من زاوية هرم هي (الشّاعر) وزوايا ضلعين هما (الماء)، و(الشّعر)؛ برهانًا حجاجيًّا واتّساقًا لسانيًّا.

    كما استدعى مؤشّرات تراثيّة في عناوين قصائده، وتنوعت بين مؤشرات تراثيّة ذات سيما حجاجيّة دينيّة في (يُثقله الوِسواس الخنّاس)، وأخرى أدبيّة الحجاج في (يموت الذّيب أو يفنى الغنم)، وثالثة أسطوريّة الحجاج في (الفينيق)، وحاجج باستدعائه هذا على شهرة شعره، وعلوّ (أناه) الشّاعريّة.

    وهذا هو غرضه ذاته عندما نوّع في دالات سيما الموروث الثّقافيّ في نصوصه، فمن موروث نحويّ، إلى آخر عروضيّ، وثالث بلاغيّ، مُحاججا بصوره الشّعريّة على تفوّق (أناه) الشّعريّة.

    وتمثّل مجموعة دواوين الشاعر المعنونة بـ (هذه سُبُلي وأيَّامي) تجربة شعريّة تستحق القراءة والنّبش؛ فخطّ تيارها السِّيري واضح، وثمّة معجم متكرّر من دالات تؤشّر إلى الشّاعر وإبداعه الشّعريّ، ويمكن تتبّعها، والانتباه إلى زوايا نقد نصوصها تلك التي تشترك في حجاج يبرهن تفوّق (أنا) الشّاعر الخاصّة على (أناه) العامّة، وما ارتبط بتلك الـ(أنا) من مؤشّرات ودالات لسانيّة.

وختامًا..

    فقد حكى لنا الشّاعر عن رحلته مع الكلمة، والصورة الشّعريّة، محاججًا حاسديه، ومتهّميه بالقصور، ومُظهرًا مستوى شعريًّا متمكّنًا ذكّرنا بابن شهيد الأندلسيّ عندما ألّف (التّوابع والزّوابع) انتصارًا لموهبته الشّعريّة والأدبيّة.


 

الإحالات المرجعية:

(1)   زايد، علي عشري، استدعاء الشخصيات التّراثيّة في الشّعر العربي المعاصر، الشّركة العامة للنشر والتوزيع، طرابلس، ط(1)، 1978م، ص15-18.

(2)   السابق نفسه، ص295.

(3)   السابق نفسه، ص240 - 244.

(4)   قميحة، جابر، التّراث الإنساني في شعر أمل دنقل، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط(1)، 1987م، ص38.

(5)   الجويني، مصطفى الصّاوي، البيان فن الصّورة، المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993م، ص 152.

(6)   مونان، جورج، مفاتيح الألسنية، ترجمة الطيب البكوش، منشورات الجديد، تونس، ط(1)، 1981م، ص 31-33.

(7)   بركلي، هربيرت، مقدمة إلى علم الدّلالة الألسني، ترجمة: قاسم مقداد، دار نينوى، دمشق، 2013م، ص 44.

(8)   المرتجى، أنور، سيميائية النص الأدبي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط(1)،1987م، ص 3.

(9)   دي سو سير، فيردناند، محاضرات في علم اللسان العام، ترجمة: عبدالقادر قنيني، ط(1)، 1987م، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ص 88.

(10)                    حمداوي، جميل، مدخل إلى المنهج السيميائي، مجلة عالم الفكر، الكويت، مج(3)،ع (4)، مارس 1997م، ص87.

(11) المسدي، عبد السلام، الازدواج والمماثلة في المصطلح النقدي، المجلة العربيّة للثقافة، بيروت، ع(24)، مارس 1993م، ص 33.

(12) مرتاض، عبد الملك، شعرية القصيدة/ قصيدة القراءة / تحليل مركبّ لقصيدة أشجان يمانية، دار المنتخب العربي، بيروت، ط(1)، 1991م، ص 236.

(13) مفتاح، محمد، النقد بين المثالية والدينامية، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، بيروت، ع(60-61)، فبراير1989 م، ص 20.

(14) الفاسي الفهري، عبد القادر، اللسانيات واللغة العربيّة، منشورات عويدات، بيروت، ط( 1)، 1986م، ص60.

(15) فيدوح، عبد القادر، دلائلية النص الأدبي/ دراسة سيميائية للشّعر الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، ط (1)،1993م، ص 67.

(16) المقداد، قاسم، هندسة المعنى في السرد الأسطوري الملحمي، جلجامش، درا السؤال للطباعة والنشر، دمشق، ط(1)، 1984م، ص 54.

(17) مرتاض، عبد الملك، بين السمة والسّيميائيّة ، مجلة تجليات الحداثة، جامعة وهران، الجزائر، ع(2)، يونيو 1993م، ص 11.

(18) المسدي، عبد السلام، الازدواج والمماثلة في المصلح النقدي، ص 44.

(19) فيدوح، عبد القادر، دلائلية النص الأدبي/ دراسة سيميائية للشّعر الجزائري، ص 10.

(20) لحميداني، حميد، سحر الموضوع، مطبعة النجاح الجديدة، المغرب،1990م، ص 93.

(21)                    أمين، محمد سالم، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، دار الكتاب الجديد المتحدة، المغرب، ط(1)، 2008 م، ص 209.

(22)                    صولة، عبد الله، الحِجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته، ضمن كتاب: أهم نظريات الحِجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، إشراف: حمادي صمود، دار الغرب، طرابلس، 2004م، ص 33-34،          والعزاوي، أبو بكر،اللغة والحِجاج، العمدة في الطبع، المغرب، ط(1)، 2006 م، ص 29.

(23)                    الشهري، عبد الهادي بن ظافر، استراتيجية الخطاب / مقاربة تداولية، دار الشروق، بيروت، 2001م، ص 477.

(24)                    خطابي، محمد، لسانيات النص / مدخل إلى انسجام النص، دار المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط(1)، 1991م، ص 16- 17.

(25)                    التناص مصطلح من المصطلحات السّيميائيّة الحديثة، ويعتمد تحليله على أن الأدب قوامه تفاعل الآداب معًا، ويفكَّك الخِطاب أثناء تحليله للتناص ويبيَّن مرجعيته، ويُبحث في تعالق النصوص بنصوص أخرى ويُبحث في احتكاك النصوص وتفاعلها وتأثرها بما سبقها من نصوص، كما يعتمد تحليل التناص على فرضية تفاعل النصوص معًا في البنى الدّلاليّة المشتركة في خطابها. استفاد الباحث من: مرتاض، عبد الملك، التحليل السيميائي للخطاب الشّعري، مجلة علامات، جدّة، مج(5)، ع(2)، سبتمبر 1922م، ص182.

(26)                    الأرقام من ديوان الشاعر أحمد نمر سليمان الخطيب، هذه سُبُلي وأيّامي، دار الجنان للنشر والتوزيع، عمّان، ط(1)، 2015م، واعتمد الباحث توثيق صفحات المجموعة الشّعريّة بجانب الأمثلة الشّعريّة على امتداد متن البحث، ويسبق رقم الصفحات تلك خط مائل ( / ).

وأحمد نمر سليمان الخطيب: شاعر عربي، من الأردن، وهو من رواد الحركة الشّعريّة المعاصرة، وله عدة أعمال كاملة، جمّع فيها مجموعات دواوينه الشّعريّة في كتاب واحد، وقد واكب نهضة الشّعر في الأردن، وتشكّلت تجربته الشّعريّة من خلال عوامل أهمها: تطوّر شعره الملحوظ بين دواوينه، وغزارة إنتاجه، وهو معروف على الساحة الأدبية  والعربيّة، ويُعدّ أحد عرّابي الشّعراء في مدينته (إربد / شمال الأردن)، وتشهد صفحات الجرائد والمجلات  اليومية والدورية بقامته الشّعريّة، وحضوره الدائم، وتفرّغه للكتابة، ويمكن أن تشكّل تجربته الشّعريّة مقصدًا لكل شاعر مبتدئ يحلم بالنجومية التي وصل إليها الخطيب، ومن سمات شعره التي عرفت عنه: مزيجه بين التراث والتشكيل الحداثي للصّورة الشّعريّة، وقدرته في تشكيل المعنى الذي يتّخذ من مسألة الغموض الفنيّ خطًا له، وتأرجح معاني شعره بين الممكن تحصيله والأكثر صعوبة في التّحصيل، فماء شعره عكر المعنى وحلو الطابع، وطائره محلق منذ أصابعه الأولى وأنثى ريحه لا تهدأ غزلا في نرجسيته وهو حارس للمعنى بامتياز.

(27)                    قميحة، جابر، التراث الإنساني في شعر أمل دنقل، ص38.

(28)                    العنوان الشّعار هو ذلك العنوان الذي يورده الشّاعر ويخفي خلفه مغزى ما، وعلى النّاقد أن يستدل على ذلك المغزى من خلال أسطره الشّعريّة، عماد الخطيب: هوية العنونة، دار الانتشار العربي، بيروت، ط(1)، 2014م، ص 131.

(29)                    استفاد الباحث من عامر، مديحة، قيم فنية وجمالية في شعر صلاح عبد الصبور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984م، ص 15-17.

(30)                    سورة الأنبياء، الآية رقم (30).

(31) قرش، عبد القادر، الصورة الفنية في الشّعر الأندلسي في عهد المرابطين، مجلة اللغة والأدب، معهد اللغة العربيّة وآدابها، جامعة الجزائر، الجزائر، مج(6)، ع(5)، 1994م، ص 211.

(32) استفاد الباحث من: العبد، محمد، مقالة النّصّ الحِجاجيّ العِربيّ / دراسة في وسائل الإقناع ، مجلة الباحث، جامعة الجزائر، الجزائر، ص 44- 45.

(33) سورة الناس، الآية رقم (4).

(34) خطابي، محمد، لسانيات النص، ص 16.

(35) الناجح، عز الدين، العوامل الحِجاجيّة في اللغة العربيّة، مكتبة علاء الدين للنشر والتوزيع، صفاقس، ط(1)، 2011م، ص 19- 20 .

(36) يتكرر ورود لفظة (القهوة) عند الشّاعر غير مرة، وفي كل مرات ورودها تؤشر إلى (شاعرية) الخطيب، انظر قصيدته المعنونة بـ: (عين على الفراغ وقهوتي مرة) / 128.

(37) العبد، محمد، مقالة النص الحِجاجي العربي/ دراسة في وسائل الإقناع، ص 44.

(38) خطابي، محمد، لسانيات النص، ص 17.

(39) قميحة، جابر، التراث الإنساني في شعر أمل دنقل، ص39.

(40) جاءت على الترتيب في الصفحات 41/135/139/295.

(41)                    الراضي، رشيد، الحِجاجيات اللسانية عند ديكرو وآنسكومر، مجلة عالم الفكر، مج(2)، ع(1)،  سبتمبر، 2005م، ص 234.

(42)                    الناجح، عز الدين، العوامل الحِجاجيّة في اللغة العربيّة، ص 19.

(43)                    الدريدي، سامية، الحِجاج في الشّعر العربي القديم/ من الجاهلية إلى القرن الأول الهجري / بنيته       وأساليبه، عالم الكتب الحديث، إربد، ط(1)، 2008م، ص 26- 27.

(44) القول مشهور ويمكن العودة إلى هارون الرشيد - ويكيبيديا (wikipedia.org)

(45) خطابي، محمد، لسانيات النص، ص 17.

(46) استفاد الباحث من الدريدي، سامية، الحِجاج في الشّعر العربي القديم / من الجاهلية إلى القرن الأول الهجري / بنيته وأساليبه، ص 27.

(47) النيسابوري، أبو الفضل، أحمد بن محمد الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، المثل رقم (2383)، ج(4)، 2008م، ص 267.

(48) العبد، محمد، مقالة النّص الحِجاجيّ العربيّ / دراسة في وسائل الإقناع، ص 45.

(49) تقول الأُسطورة أنّ طائر الفينيق كان يسكُنُ الْجَنَّة، وجدليّة هذا الطائر أنه ليس في الْجَنّة مَوت، وبعد ألف سنة، أصبح الطائر يرزح تَحت وطأة عمره الطويل، وأراد أن يَجيء وقتُه فيموت، ولأن الموت موجود في العالَم الأرضي، شقّ طريقه إلى العالم الأرضي، وكان المغيب، فراح ينتظر بزوغ الفجر الجديد الذي يؤذّن بموته، وحين أشرقت الشمس من خلف الأفق العالي، تطلَّع صوب الشرق، فتح منقاره وأنشد أغنيةً لإله الشمس فجاء على عربته، وعند نهاية الأغنية، انطلقت عربته وفرَّت من حوافر أحصنتها شرارةٌ أصابت عشّ الطائر، فاحترق العش واحترق فيه الطائر، وانتهت بذلكَ حياةُ الطائر الألفيّ، وفي اليوم الثالث بَزَغ من رماد الطائر المحترق طائرُ فينيقٍ صغير نفَّض جناحيه من الرّماد، وطار إلى أبواب الجنة مرة أخرى، والقصة تمثل رمز الخلود، والبعث من الموت، من: شابيرو، ماكس إس،  هندريكس، رود أ، معجم الأساطير، دار المنهل، عمّان، 2018م، ص 132.

(50)           تتحدث أسطورة (زهرة اللوتس) عن إله البحر المُظلم بلا حدود، فقبل أن تبدأ الحياة على سطح الأرض، نَبَتَ بُرعم أول زهر اللوتس المضيء، وجلب معه النّور والعطر إلى العالم، وكان يختبئ بداخله (رع: إله الشمس) في المساء، ومن هنا أصبح اللوتس رمزًا لـ (رع)، تشعّ أوراقه من مركزها في بداية كل صباح، وشُبِّهَ بذلك بالشمس، وقيل إن زهرة اللوتس انبثقت من المياه الأولى على هيئة إله شاب في الأساطير الفرعونية اسمه (نفريتم)، كما قيل إن الأرض قد انبثقت من زهرة اللوتس تلك، وحين كان الفيض يغمر أرض الفراعنة تخيلوا الماء الأزلي الذي نشأ منه الكون وفي وسطه تخرج زهرة اللوتس الجميلة تستقبل الشمس فى الصباح حين تتفتح ثم تنغلق على نفسها فى الغروب وتغوص فى الليل تحت الماء، فارتبطت زهرة اللوتس بالشمس وحركتها وهى تتخذ من الماء عرشًا لها، وزهرة اللوتس تشبه الدائرة التى هى قوة العقل الذى هو بدوره يشكل مظهرًا للقوة، واعتقد أصحاب الأسطورة أن الموتى سوف يولدون ثانية من زهرة اللوتس، لهذا كانت زهرة اللوتس من أهم القرابين التى يقدمها الفراعنة إلى المعابد وللموتى فى مقابرهم كما تقدّم لهم كهدية حبّ، وتقدم زهرة اللوتس للأحياء وللأموات على حدٍّ سواء، من: السابق نفسه، ص 181، وحرب، طلال محمود، معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات القديمة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م، ص331.

(51)           تحكي أسطورة سيزيف عن ابن الملك (أيولوس)، وهو (الملك المؤسس لمملكة إيفيرا) وشقيق سالمونيوس الذي اشتعلت بينهما العداوة، وقد عكف سيزيف على مزاولة مهنة التّجارة والإبحار، ولمّا أفشى بعض أسرار (زيوس)، عاقبه بأن أمر (ثانتوس إله الموت) بسلسلته في الجحيم، واستطاع سيزيف بمكره أن يوقع ثانتوس في شرّها ونجا من العقاب.. وقبل وفاته وذهابه إلى العالم السفلي طلب من زوجته أن ترمي جثته وسط الساحة العامة ولا تدفنه كاختبار منه لمحبة زوجته كما زعم، ولكنه في الأسفل شكا إلى (بيرسيفوني ملك العالم السفلي) ما فعلته زوجته وادعى أن هذا عدم احترام منها له، وحاول جاهدًا إقناعه بالعودة إلى العالم العلوي لتوبيخ زوجته على عدم دفن جثته وعمل الطقوس الجنائزية له، وحينما صعد سيزيف إلى العالم العلوي وعاد إلى الحياة من جديد، ورأى الشمس واستمتع بدفئها رفض العودة إلى العالم السفلي ثانية فتمّ سحبه بالقوة من قبل (هيرميس)، ونتيجة لخداعه؛ حكم عليه (زيوس) بسحب صخرة ضخمة إلى ما لا نهاية فوق تلة شديدة الانحدار،    وفي هذا العقاب من (زيوس) محاولة لإثبات عدم جدوى عمل (سيزيف)؛ لأنه بسقوط الصخرة وعدم وصولها للقمة يضيع تعبه وجهده هباءً.. وهكذا تجسد أسطورة سيزيف الفشل والجهد المبذول دون أي طائل أو استفادة ، من: شابيرو، ماكس إس،  هندريكس، رود أ، معجم الأساطير، ص 117.

المصادر والمراجع:

المصادر:

·        القرآن الكريم.

·        الخطيب، أحمد نمر سليمان، هذه سُبُلي وأيّامي "مجموعة شعريّة"، دار الجنان للنّشر والتوزيع، عمّان، ط(1)، 2015م.

·        النّيسابوري، أبو الفضل، أحمد بن محمد الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، 2008م.

المراجع:

الكتب العربيّة:

·        أمين، محمد سالم، الحِجاج في البلاغة المعاصرة، دار الكتاب الجديد المتحدة، المغرب، ط(1)، 2008 م.

·        الجويني، مصطفى الصّاوي، البيان فن الصّورة، المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993م.

·        حرب، طلال محمود، معجم أعلام الأساطير والخرافات في المعتقدات القديمة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م.

·        خطابي، محمد، لسانيات النص / مدخل إلى انسجام النص، دار المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط(1)، 1991م.

·        الخطيب، عماد: هوية العنونة، دار الانتشار العربي، بيروت، ط(1)، 2014م.

·        الدريدي، سامية، الحِجاج في الشّعر العربي القديم/ من الجاهلية إلى القرن الأول الهجري / بنيته       وأساليبه، عالم الكتب الحديث، إربد، ط(1)، 2008م.

·        زايد، علي عشري، استدعاء الشخصيات التّراثيّة في الشّعر العربي المعاصر، الشّركة العامة للنشر والتوزيع، طرابلس، ط(1)، 1978م.

·        الشهري، عبد الهادي بن ظافر، استراتيجية الخطاب / مقاربة تداولية، دار الشروق، بيروت، 2001م.

·        عامر، مديحة، قيم فنية وجمالية في شعر صلاح عبد الصبور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984م.

·        العزاوي، أبو بكر، اللغة والحِجاج، العمدة في الطبع، المغرب، ط(1)، 2006 م.

·        الفاسي الفهري، عبد القادر، اللسانيات واللغة العربيّة، منشورات عويدات، بيروت، ط( 1)، 1986م.

·        فيدوح، عبد القادر، دلائلية النص الأدبي/ دراسة سيميائية للشّعر الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، ط (1)،1993م.

·        قميحة، جابر، التّراث الإنساني في شعر أمل دنقل، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط(1)، 1987م.

·        لحميداني، حميد، سحر الموضوع، مطبعة النّجاح الجديدة، المغرب،1990م.

·        مرتاض، عبد الملك، شعريّة القصيدة/ قصيدة القراءة / تحليل مركبّ لقصيدة أشجان يمانية، دار المنتخب العربي، بيروت، ط(1)، 1991م.

·        المرتجى، أنور، سيميائية النّصّ الأدبيّ، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، ط(1)،1987م.

·        المقداد، قاسم، هندسة المعنى في السّرد الأسطوريّ الملحميّ، جلجامش، درا السؤال للطباعة والنشر، دمشق، ط(1)، 1984م.

·        الناجح، عز الدين، العوامل الحِجاجيّة في اللغة العربيّة، مكتبة علاء الدين للنشر والتوزيع، صفاقس، ط(1)، 2011م.

الكتب المُترجمة:

·        بركلي، هربيرت، مقدمة إلى علم الدّلالة الألسني، ترجمة: قاسم مقداد، دار نينوى، دمشق، 2013م.

·        دي سو سير، فيردناند، محاضرات في علم اللّسان العام، ترجمة: عبدالقادر قنيني، ط(1)، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1987م.

·        شابيرو، ماكس إس،  هندريكس، رود أ، معجم الأساطير، دار المنهل، عمّان، 2018م.

·        مونان، جورج، مفاتيح الألسنية، ترجمة الطّيب البكوش، منشورات الجديد، تونس، ط(1)، 1981م.

الكتب الجماعيّة:

·        أهم نظريات الحِجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، إشراف: حمادي صمود، دار الغرب، طرابلس، 2004م.

الدّوريّات العربيّة:

·        حمداوي، جميل، مدخل إلى المنهج السّيميائيّ، مجلة عالم الفكر، الكويت، مج (3)، ع (4)، مارس 1997م.

·        الراضي، رشيد، الحِجاجيات اللّسانية عند ديكرو وآنسكومر، مجلة عالم الفكر، مج (2)، ع(1)، سبتمبر، 2005م.

·        العبد، محمد، النّصّ الحِجاجيّ العِربيّ / دراسة في وسائل الإقناع، مجلة الباحث، جامعة الجزائر، الجزائر، مج (4)، ع(3)، 1993م.

·        قرش، عبد القادر، الصّورة الفنّيّة في الشّعر الأندلسيّ في عهد المرابطين، مجلة اللغة والأدب، معهد اللغة العربيّة وآدابها، جامعة الجزائر، الجزائر، مج(6)، ع(5)، 1994م.

·        مرتاض، عبد الملك، بين السّمة والسّيميائيّة، مجلة تجليات الحداثة، جامعة وهران، الجزائر، ع(2)، يونيو 1993م.

·        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، التّحليل السّيميائيّ للخطاب الشّعري، مجلة علامات، جدّة، مج (5)، ع(2)، سبتمبر 1922م.

·        المسدي، عبد السّلام، الازدواج والمماثلة في المصطلح النّقديّ، المجلة العربيّة للثقافة، بيروت، ع (24)، مارس 1993م.

·        مفتاح، محمد، النّقد بين المثاليّة والديناميّة، مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي، بيروت، ع(60-61)، فبراير1989 م.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات