سلسلة أبحاث عماد الخطيب.. تفاوت أنماط نقد الشّعر في موسوعة التّذكرة الحمدونيّة "بين نقد الأسباب وتأويل المسبّبات"

تفاوت أنماط نقد الشّعر في موسوعة التّذكرة الحمدونيّة

"بين نقد الأسباب وتأويل المسبّبات"

·     توطئة :

يؤرخ طه أحمد إبراهيم للنقد العربي القديم، قائلا بأنه : " توطد واستقر في عهد الطبقات الأولى من اللغويين... وعرفت له مقاييس وأصول... غير أن الحال تغيرت كثيرا في أواخر القرن الأول. تغيرت في أخريات أيام فحول الإسلاميين، فارتقى النقد الأدبي ارتقاء محمودا، وكثر الخوض فيه، وتعمق الناس في فهم الأدب، ووازنوا بين شعر وشعر، وبين شاعر وشاعر، حتى لتستطيع أن تقول: إن عهد النقد الصحيح يبتدئ من ذلك الوقت، وأن كل ما سبق لم يكن غير نواة له أو محاولات فيه"(1).

·     أنماط النقد المنهجي عند ابن حمدون:

أولا-النقد بالتحليل العروضي :

قدم الحمدوني نقدا جديدا أظهر به براعته في التحليل والتفسير، ومن نقده ما قدمه في التحليل العروضي يخطئ فيه قول العلاء بن المنهال الغنوي:



فليت أبا شريك كان حياً ... فيقصر حين يبصره شريك

ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له هذا أبــــوك

في عروض وقافية البيتين، وعلل ابن حمدون ذلك بقوله إن ذلك الخطأ يعود (لرشاقة الشعر)، وتابع قوله بأن عروض البيتين من الوافر ويتم الوزن بحرف النفاذ، فإن فعل الشاعر ذلك كان البيت الأول مرفوعاً والثاني منصوباً، وهذا لم تستعمله العرب في إقوائها المستهجن، فكيف يكون في مثل هذا الشعر اللين؟ وإن وقف على السكون كان الجزء الأخير من الوافر فعول، وهو غير جائز ولم يسمع.
وتبدو لغة العروض النقدية عنده أكثر ظهورا خاصة وأنه لا يذكر بيتا دون ذكر بحره في أكثر من موضع في الموسوعة؛ لأن الاهتمام بالمنقول سمة يضيفها النقاد إلى بلاغة نقدهم، فتارة ينقل ابن حمدون عمن سبقه وتارة ينقد بالجديد، ومن الجديد نقله وتصرفه فيما كتبه أبو إسحاق الصابي إلى بعض إخوانه : وقد سألتني عن الفرق بين المترسل والشاعر، وكنت سألتني - أدام الله عزك - عن السبب في أن أكثر المترسلين البلغاء لا يفلقون في الشعر، وأن أكثر الشعراء الفحول لا يجيدون في الترسل. فأجبتك بقول مجمل، ووعدتك بشرح له مفصل، وأنا فاعل ذلك بمشيئة الله فأقول: إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه؛ لأن أفخر الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك غرضه في أول وهلة سماعه، وأفخر الشعر ما غمض فلم يعط غرضه..
ثم يسأل ابن حمدون سؤالا يجيب عنه، وهو :

فمن أية جهة صار الأحسن في معاني الترسل الوضوح وفي معاني الشعر الغموض؟ والجواب أن الشعر بني على حدود مقررة وأوزان مقدرة، وفصل أبياتاً كل واحد منها قائم بذاته وغير محتاج إلى غيره إلا ما يتفق أن يكون مضمناً بأخيه، وهو عيب فيه. فلما كان النفس لا يمكنه أن يمتد في البيت الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه، وكلاهما قليل، احتاج إلى أن يكون الفضل في المعنى، فاعتمد أن يلطف ويدق، ليصير المفضي إليه والمطل عليه بمنزلة الفائز بذخيرة خافية، والظافر بخبيئة دفينة استخرجها واستنبطها... فمتى خرج الشعر على سنن الابتداع والاختراع فكان ساذجاً مغسولاً، فقائله معيب غير مصيب، والترك له أدل على العقل وأولى بذوي الفضل. ومتى خرج الترسل عن أن يكون جلياً سلساً تعثرت الأسماع في فهمه، وتحيرت الأفهام في مسالكه، فأظلم مشرقه، وتكدر رونقه، وكان صاحبه مستكره الطريقة، مستهجن الصناعة. وقد بقيت في الباب زيادة أخرى: وهي الإخبار عن سبب قلة المترسلين وكثرة الشعراء، وعن العلة في نباهة أولئك وخمول هؤلاء. فالجواب عن ذلك أن الشاعر إنما يصوغ قصيدته بيتاً بيتاً، فهو يجمع قريحته وقدرته على كل بيت منها، فيقرره ويبلغ إرادته نمه، وله من الوزن والقافية قائد وسائق يقومان له بأكثر الحدود، فكأنه إنما يحذوه على مثال، أو يفرغه في قالب مماثل. والمترسل يصوغ رسالته متحدة متجمعة، ويضمها من أقطار متراخية متسعة، وربما أسهب حتى تستغرق الواحدة من رسائله أقدار القصائد الطوال الكثيرة. هذا إلى ما يتعاطاه من فخامة الألفاظ اللائقة بأن يصدر مثلها عن السلطان وإليه، والتصرف فيها على ضروب ما تتصرف عليه أحوال الزمان وعوارض الحدثان. فلذلك صار وجود المضطلعين بجودة النثر أعز، وعددهم أنزر.

ومن نقده العروضي الجديد قوله عن شعر النابغة بأنه :

كان كثير الإقواء، فلما دخل الحجاز هابوه أن يواقفوه على هذه العادة المستهجنة، فأمروا قينةً فغنته في قوله:


أمن آل مية رائحٌ أو مغتدي ... عجلان ذا زيدٍ وغير مزود

زعم البوارح أن رحلتنا غداً ... وبذاك خبرنا الغراب الأسود

فاستبان فحش الإقواء وقال: ما هذا؟ فقالوا: كذا قلت. فجعله وبذاك تنعاب الغراب الأسود، وترك الإقواء.

ثانيًا – النقد بالتفسير اللغوي :

ومن نقده الجديد تفسيره اللغوي لما يراه غامضا، من أجل الإحاطة بالمعنى المجمل لما يورده من أشعر في باب ما، كقوله فيما أنشده ثعلب لجميل، ويريد الهلال:

كأن ابن مزنتها جانحا . . فسيط تساقط من خنصرِ

فقال ابن حمدون " الفسيط: قلامة الظفر ".
ومن نقده في تفسير اللفظة، قوله :

وزهيرٌ – ابن أبي سلمى - ، وهو أصفاهم ألفاظاً وأدقهم كلاماً، يقول:

فأقسمت جهداً بالمنازل من منى ... وما سحقت فيه المقادم والقمل

فانظر كيف ختم البيت بلفظة (القمل) وهي أهجن لفظة وأبعدها من لاستعمال، والمقاطع أولى بالمراعاة، فإنها ملموحةٌ مكشوفة، وعليها يقف الكلام.
 
ثالثا – النقد بأخبار سير الشعراء :

يعي ابن حمدون أن أخبارا لشعراء قد زيد فيها ونقص، كما هو الحال لقيس ليلى، فقد قال : " ومن حلاوة الهوى والغزل عندهم وضعوا أخباراً وأشعاراً نسبوها إلى المجنون وغيره، ومما نسب إلى المجنون: أنه لما اختلط في حب ليلى، قيل لأبيه احجج إلى مكة وادع الله عز وجل، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة، واسأل الله أن يعافيه مما به، ويبغض ليلى إليه، فلعل الله -عز وجل- أن يخلصه من هذا البلاء، فحج به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحاً في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت، وسقط مغشياً عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح، وقال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة، واسأل الله -عز وجل- أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق بالأستار وقال: اللهم زدني لليلى حباً وبها كلفاً، ولا تنسني ذكرها أبداً، فهام حينئذ واختلط ولم يضبط، فكان يهيم في البرية مع الوحش. وروي أنه مر بزوج ليلى وهو جالسٌ يصلي في يومٍ شاتٍ، فوقف عليه ثم قال:

بربِّكَ هل ضممتَ إليك ليلى ... قُبَيلَ الصبحِ أو قَبَّلْتَ فاها
وهل رَفَّتْ عليكَ قرونُ ليلى ... رفيفَ الأقحوانةِ في نداها


فقال له: اللهم إذ حلفتني فنعم؛ فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من نار فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه، فقام زوج ليلى مغموماً بفعله متعجباً.


والأخبار المنسوبة إلى المجنون كثيرة، وهي تخرج عن المعنى الذي قصدت. وأعود إلى مستحسن الأشعار في المعنى- والكلام لابن حمدون – "(3). وجاء قوله في بداية ذكره لقصص في الغزل، وقد افتتح مطلع فصله بقوله :


وكانت العرب في جاهليتها وإسلامها مع شدة بأسها وغلظ أكبادها ترق عند الغزل وتلين، حتى مات كثير منهم كمداً وشغفاً، وكانت تستحسن منه ما هو مستهجن عند غيرها من طوائف الأمم، ألا ترى أن الشاعر منهم كان ينسب بالمرأة الجليلة ذات الحسب والعشيرة المنيعة، فلا ينكرون ذلك ولا يغيرونه حتى كانوا ينسبون بنساء الملوك، فلا يكون منهم له نكير. ذكر النابغة الذبياني المتجردة زوجة النعمان بن المنذر في شعره، فقال قصيدة أولها:


أَمِن آل مَيَّةَ رائحٌ أو مغتدي ... عجلانَ ذا زادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ

ووصف أعضاءها وأفحش حتى قال:


وإذا طعنتَ طعنتَ في مستهدفٍ ... رابي المجسَّةِ بالعبيرِ مُقَرْمَدِ

وهي أبياتٌ قد كتبتها في مكان آخر من هذا الكتاب، وأنشدها النعمان غير مراقب، فقال بعض أعدائه: ما يستطيع أن يقول ذلك إلا من جرب، فأغراه به.

وهكذا يدمج ابن حمدون بين القصص والروايات والطريقة التي تحلو له في النقد، فهو لا يزيد على التعليق، أو يترك للقارئ أن يتصور ما يريد من إيراد تلك القصة أو تلك، كما يريد من قارئه مشاركته في المنقول،لا أن يفرض عليه نقدا يقف عند اللفظة أو العبارة أو الجملة المحكية المتداولة.

رابعًا – النقد بتأكيد نسبة الأبيات أو نفيه لها :

ومن نقده الجديد أنه يشير إلى قضية (نسبة الأبيات لغير صاحبها) والتثبت من النسبة في قوله : " وقال سليمان بن أبي دعبل الخزاعي: وقد وجدت بعض هذه الأبيات في ديوان أبي ذؤيب – والكلام لابن حمدون -


يا بيت خنساءَ الذي أَتَجَنَّب ... ذهب الشباب وحبّها لا يذهــبُ
أصبحتُ أَمْنَحُكِ الصدودَ وإنني ... قسماً إليك على الصدودِ لأَجْنَبُ


 

ومن قوله وتثبته نقف عند قضيتين هامتين هما التثبت من نسبة الأبيات لقائلها، والنقد من الداخل لا من خارج النص. وهو قوله : " وقال أبو عبد الله بن الدمينة الخثعمي، وهذه الأبيات من قصيدة مشهورة، وقد توزع أكثرها، ونسبت أبيات منها إلى عدد من الشعراء، والمقصود الشعر لا شاعره، فلذلك جمعت المختار منها في مكان واحد:


أَحقاً عباد الله أن لستُ وارداً ... ولا صادراً إلا عليَّ رقيبُ
ولا زائراً فَرْداً ولا في جماعَةٍ ... من الناسِ إلا قيل أنت مريبُ
وهل ريبةٌ في أن تحنَّ نجيبةٌ ... إلى إلفها أو أن يحنَّ نجيبُ.


ومن حكمه في النسبة، قوله فيما ينسب لقيس بن ذريح ( - 68 هـ )(4):

 

سلي هل قَلاَني من عشير صحبتُهُ ... وهل ذمَّ رحلي في الرفاقِ رفيقُ
وهل يجتوي القومُ الكرامُ صَحَابتي ... إذا اغبرَّ مخشيُّ الفجاجِ عميقُ

إن هذه الأبيات متنازعة، وقد أنشد أبو هلال العسكري الرابع منها، والسادس والثامن لمضرس بن الحارث المري، والبيت الآخر هو لجرير في ديوانه.

 

وتارة ينسب البيت لشاعر ثم يذكر نسبته لآخر، وذلك في معرض إيجاده لحلقة ترابط بين مثل أو قول وقول شاعر ما، ومنه قوله في قول أوس بن حارثة : " حق من يشاركك في النعم شركاؤك في المكاره " أنه قد أخذ المعنى منه أبو تمام فقال:

وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن واساك في الحزن
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن



ويشير ابن حمدون لتقارب بيتي أبي تمام مع قول أوس بن حارثة، وأشار إلى أن البيتين يرويان لإبراهيم بن العباس، دون الشرح والتحليل !

 

خامسًا: النقد بالسرقات الشعرية:

يضع ابن حمدون في نقده المنهجي نصب عينيه أنه ينتمي لجيل تجاوز مرحلة البدايات فمن نقد ابن حمدون المنهجي حديثه عن السرقات الشعرية، فتارة يذكر تلميحا فيه إشارة للسرقة، وتارة يرجح صراحة أن أحد القولين هو سرقة من الآخر، ومنه قول الأخطل (19 – 90 هـ ) الشاعر الأموي المعروف بهجائه مع جرير والفرزدق وهو ذو نشأة غير إسلامية :

أَعْرَضْنَ عن شَمَطٍ في الرأسِ لاح به ... منهنَّ منه إذا أبصرنني حِيدُ
يا قلَّ خيرُ الغواني كيف رُعْنَ به ... فَشُرْبُهُ وَشَلٌ منهنَّ تصريـــدُ

فيعلق عليه الحمدوني بما قاله بعض العرب، " بل هي للتميمي " – دون أن يعرفنا به مكتفيا بنقل قوله ضمن الفصل الأول المعنون بـ " الفجيعة بالشيب وحلوله "، وأظنه يقصد جريرا (5) :

إذا كانت السبعون سنَّكَ لم يكن ... لدائك إِلا أن تموتَ طبيـبُ
وإنّ امرأ قد عاش سبعين حجةً ... إلى منهلٍ من وِرِدِهِ لقريبُ
إذا ما مضى القرنُ أنت فيهمُ ... وخُلِّفتَ في قرنٍ فأنت غريـبُ

ومن تلميحه للسرقات، ما نقله عن قول لبيد ( - 41 هـ ) :

وما المرءُ إِلا كالشهابِ وضوئِهِ ... يحورُ رماداً بعد إذ هُوَ ساطعُ

ثم علق قائلا " نظر ابن الرومي إلى المعنى فقال " :

محارُ الفتى شيخوخةٌ أو مَنِيَّةٌ ... ومرجوعُ وَهَّاجِ المصابيحِ رَمْدَدُ

واللاحق يأخذ عن السابق.

لكن ابن حمدون يرجح قولا على قول – في منهجية كلامه عن السرقات-، بإشارة إلى أفضلية اللاحق على السابق؛ من خلال اختياره للفظة ما، أو تركيبه للمعنى بعبارة أفضل، من ذلك ما نقله عن العباس بن الأحنف ( - 192 هـ )، قوله:


خيالُكِ حين أرقدُ نُصْبَ عيني ... إلى وقتِ انتباهي لا يزولُ
وليس يزورني صِلَةً ولكنْ ... حديثُ النفسِ عنكِ به الوصولُ
وأنه تبعه في هذا القول أبو تمام الطائي ( 190 – 231 هـ ) في هذا المعنى فقال:

زار الخيالُ بها لا بل أزارَكَهُ ... فكرٌ إذا نام فكرُ الخلقِ لم ينمِ
ظبيٌ تقنَّصْتُهُ لما نصبتُ له ... في آخرِ الليلِ أشراكاً من الحلمِ

ثم يفضل قول أبي القاسم ابن الفضل ( 477 – 558 هـ )(6) الذي قال بيتاً ألم فيه بهذا المعنى وزاد عليه:

ما زارني طيفُهُ إلاّ موافقةً ... على الكرى ثم ينفيهِ وينصرفُ
ويكتفي ابن حمدون بجملة تعليق نقدية واحدة يفضل بها أبا القاسم عمن تقدمه، فيقول : "

في قوله: موافقة معنىً لطيف لم أعثر عليه لمن تقدم " . ويعني بذلك ذكر أبي القاسم لكلمة (موافقة) ليكون المعنى : أن الطيفين التقيا موافقة وليس مصادفة أو على عمى.. كما يورد ذلك المعنى من تقدم.. ويتناسب تفضيل ابن حمدون لقول أبي القاسم مع عنونته للنوع الخامس من الباب التاسع والعشرين المعنون بأبيات " النسيب والغزل "، وهو (في المسرة واللقاء عند الإياب)، إضافة لسيطرة أبي القاسم على المعنى ووحدة البيت التي جعلت من معناه يقترب بسرعة لفهم القارئ، دون الحاجة لقراءة البيت الذي يليه. وهو ما أشار له في مطلع الباب إذ قال: "هذا الباب تتداخل معانيه، ويتضمن كل بيت منه صحبة أخيه. فإن فصل وأضيف كل معنى إلى بابه، انقطع البيت عن قرينه، وتبدد نظام تأليفه وترتيبه، فذهبت بهجة الكلام وسلب رونقه، وعلى ذلك فقد أفردت منه عشرين نوعاً ميزتها لحاجة شاهدٍ إن دعت إليها.. وما عدا ذلك على كثرة فنونه وعدد ضروبه جعلته باباً واحداً، وأتبعته بفصل من نوادر هذا الباب، على ما شرطته في أول الكتاب. وقد تجيء أبيات وأخبار تتضمن عدة معان من الأنواع المفردة، فلا أرى حل نظامها وتفريق التئامها، فأضيفها إلى الفصل العام، وأثبتها في بعض الأنواع إذا كان يتضمن معنىً منها، محافظةً على أن تلج الأسماع متصلةً لم تسلب حسن ازدواجها، وترد على القلوب مكسوةً رونق ألفتها واصطحابها "(7).

ولم يكن من نقد ابن حمدون الموازنة بين من سبق ومن لحق، إلا أنه يفهم من سرده أن يلوح بالسرقات الشعرية، وتفضيل اللاحق على السابق لا يعدم، كما أن السابق لا يفضل على تقدمه !

ومن حديثه في السرقات الشعرية أنه كان ينظر في معنى أبيات تشكل مقطوعة تامة، ثم يرجح أنها مأخوذة من معنى بيت واحد ! ومن ذلك ما نقده لقول السري الرفاء ( - 470هـ)(8):

لما تراءى لك الجمع الذي نزحت** أقطاره ونأت بعداً جوانبه
تركتهم بين مصبوغ ترائبهن ** الدماء ومخضوب ذوائـبه
من أنه مسروق من قول البحتري:

سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ** محمرة فكأنهم لم يسلبوا
وكذا قوله : " ومن السرقة الفاحشة قول كثيرٍ ( 40 – 105 هـ ) في عبد الملك بن مروان ( 26 – 86 هـ ) :

إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصانٌ عليها عقد درٍّ يزينها

أخذه من قوله الحطيئة ( - 45 هـ ) مصالتةً فلم يغير سوى الروي:

إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصانٌ عليها لؤلؤٌ وشنوف "

ونقد ابن حمدون قول جرير ( 28 – 110 هـ ) :

فلو كان الخلود لفضل قومٍ ... على قومٍ لكان لنا الخلود

بأنه مأخوذ من قول زهير ( - 13 ق.هـ ) :

فلو كان حمدٌ يخلد المرء لم يمت ... ولكن حمد المرء غير مخلد

وعلق على القولين قائلا : إن جريرا " على سعة بحره وقدرته على غرر الشعر وأبكار الكلام نقل قوله " من زهير ، وأن قول زهير " شعرٌ مشهورٌ يحفظه الصبيان وترويه النساء ". وينتصر ابن حمدون لجرير بأن هناك من سرق من شعره ويصفه بـ ( الشره )، إذ إنه سرق قوله :

فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أبا ليا

والسارق هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، القائل(9) :

أأنت أخي ما لم تكن لي حاجةٌ ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا

وهو من قصيدة له مشهورةٍ أجاد فيها وأحسن كل الإحسان، ولم تمنعه قدرته على ذلك الإحسان من الشره إلى ما ليس له. ويرى الباحث أن الفكرة مسروقة من قصيدة مالك بن الريب الشهيرة التي مطلعها :

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلــــة **** بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
ومنها قوله :

تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي *** سفارك هذا تاركـــــــــــــي لا أبا ليا

سادسًا- النقد بتوارد الخواطر:

يرد مفهوم ( توارد الخواطر ) عند ابن حمدون أثناء حديثه عن السرقة، وهو يقول: "وقد تتوارد الخواطر في المعاني فلا ينسب الثاني إلى السرقة ما كانت مصالتةً لفظاً ومعنى، أو بيتاً كاملاً ".كما أخذ الفرزدق، وكما قيل في بيت أبي تمام:

وأحسن من نور تفتحه الصبا ... بياض العطايا في سواد المطالب

إنه مأخوذٌ من قول الأخطل:

رأين بياضاً في سوادٍ كأنه ... بياض العطايا في سواد المطالب

ويعلل ابن حمدون فيقول عمن يتعصب لأبي تمام أنهم يقولون : إن هذا البيت مصنوع ولم يصح عن الأخطل، وهذا الأصح – والقول لابن حمدون -، فإن ديوانه لم يتضمنه ولا وجد في نسخة من النسخ. فابن حمدون له خاصته من الشعراء. فلماذا لا يعد ذلك سرقة؟

ومن معانيه المسروقة المنقولة في أفحش لفظ وأهجنه قوله:

ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش

وأصله قول عمرو بن كلثوم ( - 39 ق. هـ ) :

فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفديــــــنا

وأخذ المعنى أبو تمام، لكنه زاد وبين وهذب اللفظ، فقال:

إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب.

سابعًا: النقد بالنقل عن كتب النقاد العرب القدماء:

من حديث ابن حمدون عن السرقات ينبع حديث التأثر باللفظ أو بالمعنى أو بكليهما معا، من ذلك قوله: " وقالوا – دون الإشارة من هم الذين قالوا، والكلام للحاتمي في الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي وفساد شعره، لكن الشرح له ! ومن عادة ابن حمدون أن يسرق ولا يوثق-(10): إن امرأ القيس ( 124 – 80 ق. هـ ) أخذ قوله:

كأن مكاكي الجواء غديةً ... صبحن سلافاً من رحيقٍ مفلفل

من قول أبي دواد الإيادي ( - 55 ق.هـ ) :

تخال مكاكيةً بالضحى ... خلال الدقاري شرباً ثمالا

ثم يشرح ابن حمدون معنى كلمة (الدقاري) : الرياض، واحدتها : (دقرى). والبيتان يجمعان التأثر بلفظة الـ ( مكاكي)، والتأثر في صورة التشبيه بين (تخال) و ( كأن) وارد. إضافة لتأثرهما في وجه الشبه بين (صبحن سلافا) و ( خلال الدقاري). وجاءت (شربا) معادلا موضوعيا لـ ( سلافا) . ولكن ابن حمدون لم يقل هذا. مكتفيا بالإشارة للأخذ بين الشاعرين !

ومثله عندما أشار إلى أن الأعشى ( - 7 هـ ) أخذ قوله في صفة الطيف:

يلوينني ديني الغداة وأقتضي ... ديني إذا وقذ النعاس الرقدا

من قول عمرو بن قميئة ( 179 – 85 ق. هـ ) :

نــأتك أمامة إلا سؤالا ... وإلا خيالاً يوافي خيالا

يوافي مع الليل ميعادها ... ويأبى مع الصبح إلا زوالا

وغيرهم الكثير الكثير مما نقل سرقتهم ابن حمدون ...

وتارة يستحسن ابن حمدون قول أحد الشعراء ولو كان سارقا المعنى ويعلل استحسانه، ومنه أن جريرا أخذ قوله:

وإني لعف الفقر مشترك الغنى ... سريعٌ إذا لم أرض داري احتماليا

من قول المخبل السعدي ( - 12 هـ )(11):

إني لترزؤني النوائب في الغنى ... وأعف عند مشحة الإقتار

ويشير ابن حمدون بعد أن يورد القولين إلى أن جريراً أكمل المعنى وجاء به في نصف بيت في أعذب لفظٍ وأسلمه.

ومن ذلك أن عبدة بن الطبيب التميمي(12) أخذ قوله:

فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ ... ولكنه بنيان قومٍ تهدما

من قول امرئ القيس:

فلو أنها نفسٌ تموت سويةً ... ولكنها نفسٌ تساقط أنفسا

فأشار ابن حمدون إلى أن ( عبدة بن الطيب) " كشف المعنى وبينه ". والكلام ليس له بل للحاتمي في كتبه " الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي وساقط شعره. وسماها " أخ المساواة "(13).

ومنه كذلك ما أخذه أبو حية النميري(14) ( - 183 هـ ) في قوله:

فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كفٍّ ومعصم

من قول النابغة الذبياني:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطــه ... فتناولته واتقتنا بـــــاليد

وأشار ابن حمدون إلى أن (أبا حية النميري) قد أحسن كل الإحسان وزاد زيادات ليست في بيت النابغة. وإشارته إلى قول النميري ( أحسن موصولين : كف ومعصم ) ففي البدل التفصيلي ( كف ومعصم) زيادة وهي حسنة برأي ابن حمدون. لكنه لم يشرح ذلك، لأنه يخاطب من هم أصحاب لغة حية ومن كان الشعر غذاءهم وروحهم وليسوا بحاجة للشرح كما يظن الباحث ! علاوة على أن هذه المقولة ليست لابن حمدون، بل سرقها من الحاتمي في كتابه " الرسالة الموضحة في ذكر سرقات المتنبي وساقط شعره "(15)، أن قول النابغة المعروف :

سقط النصيف ولم ترد * * إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد

أخذ معناه أبو حية النميري فأحسن كل الإحسان لزيادة لطيفة زادها في قوله :

فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين : كف ومعصم

فوجبت له المساواة بهذه الزيادة ، ولم يعط الفضل على النابغة لتقدم النابغة في الاختراع لهذا المعنى . والزيادة قوله " دون الشمس " ، و " بأحسن موصولين " .

ومن نقد ابن حمدون وحكمه على ما يقرأ وينقد قوله :

قال حماد الراوية( 95 – 155 هـ ) (16): أنشدت أبا عطاءٍ السندي ( - 180 هـ ) هذا البيت:

إذا كنت في حاجةٍ مرسلاً ... فأرسل حكيماً ولا توصه

فقال أبو عطاء: بئس ما قال، فقلت: فكيف كان يقول؟ قال: كان يقول:

إذا أرسلت في أمرٍ رسولاً ... فأفهمه وأرسله أديبا

إشارة إلى ضعف معنى الأول وتفوق الثاني عليه !

ومن نقده وحكمه، قوله :

قالت القدماء: الفاقة بلاء، والحزن بلاء، وقرب العدو بلاء وفراق الأحبة بلاء، والهرم بلاء، ورأس البلايا كلها الموت.نظر إلى هذا المعنى عمران بن حطان الخارجي ( 200 – 296 هـ ) فقال:

لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فانٍ إذا ما ناله الأجل

وكل كرب أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل

ثم يشرح القول بأنه يوحي بأن الجاهل لا يجد للبلاء مساً كما لا يسدي في الرخاء معروفاً، ولا صبر له في أيام الشدة كما لا رزية له في أيام السلامة، ولا يصدق بالحق كما لا ينزع عن الكذب، إذا كان السخط عن علة كان الرضا مرجواً، وإذا كان عن غير علة انقطع الرجاء، لأن العلة إذا كانت الموجدة في ورودها كان الرضى في صدرها، والعلة لها وقوع وذهاب يوجد أحياناً ويفقد أحياناً، والباطل قائم موجود لا يفقد على حال.

ثم يمدح حسن ما لمح لمعناه العباس بن الأحنف إذ نقله إلى الغزل واختصر لفظه فقال:

لو كنت عاتبة لسكن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مجانب

لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صد الملول خلاف صد العـاتب


 

الهوامش:
(1) إبراهيم، طه أحمد: تاريخ النقد الأدبي عند العرب من العصر الجاهلي إلى القرن الرابع الهجري، ص 2، وكلامه نقلا عن المرزباني : الموشح، ص 83 .
(2)
ابن حمدون: التذكرة الحمدونية، ج4، ص 70. والعلاء بن المنهال الغنوي من المحدثين وذكره البخاري ( ت 256 هـ ) ، محمد بن إسماعيل : التاريخ الكبير، في باب ( العلاء) برقم [٣١٦٥] العلاء بن المنهال الغنوي سمع عاصم بن كليب روى عنه أبو أسامة هو الكوفي. واعتمد الباحث نسخة مصورة من صفحة موقع :
http://ar.wikisource.org/w/index.php?title
-
والبيتان موجودان شاهدا على اجتماع الرفع والنصب معا في الإقواء بدلا من الرفع والجر الذي هو الشائع حسب كلام ابن جني – على حد قول ابن سيده - ، والبيتان عند ابن سيدة – قبل ابن حمدون – ولم يشر الأخير للأول؛ لكنه أخذ منه لا محالة، لأن ابن سيدة معروف في كثرة استشهاداته العروضية في المحكم والمحيط الأعظم، مما يغريك للتساؤل ( لماذا ؟ ) ، وتعليل هذا إلى أنه يأخذ من كتابه هو نفسه في العروض - الذي كثيرا ما يلوح به - وهو ( الوافي في علم القوافي ) والشاهدان عند ابن سيدة، أبو الحسن بن إسماعيل المرسي ( ت 458 هـ ) : " المحكم والمحيط الأعظم "، تحقيق : عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، 2000م، ج6، ص 461:
وقال العلاء بن المنهال الغنوي في شريك بن عبد الله النخعي :
ليت أبا شريك كان حيا ** فيقصر حين يبصره شريك
ويترك من تدرئه علينا ** إذا قلنا له هذا أبـــوكا
أما الكلام النقدي بعدهما فهو لابن حمدون . وقد وردا عند ابن سيدة دون تعليق.
(3)
من شعر النوع العشرين ، بعنوان ( من قتله الكمد )، من الباب التاسع والعشرين المعنون ( في النسيب والغزل) .
(4)
قَيس بن ذُرَيح : هو قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة الكناني.شاعر من العشاق المتيمين، اشتهر بحب لبنى بنت الحباب الكعبية، وهو من شعراء العصر الأموي، ومن سكان المدينة. كان رضيعاً للحسين بن علي بن أبي طالب، أرضعته أم قيس، وأخباره مع لبنى كثيرة جداً، وشعره عالي الطبقة في التشبيب ووصف الشوق والحنين.
(5)
ابن حمدون : التذكرة الحمدونية، ج 6، من الفصل الأول .
(6)
هو أبو القاسم، هبة الله بن الفضل، المعروف‏:‏ بابن القطان ، الشاعر المشهور، البغدادي‏، وكان غاية في الخلاعة والمجون، كثير المزاح والمداعبة والهجاء، مغرى بالولوع بالمتعجرفين، ولم يسلم منه أحد، لا الخليفة، ولا غيره، ولهم و له في ذلك نوادر ووقائع وحكايات ظريفة، وله ديوان شعر، عبث فيه بجماعة من الأعيان، وثلبهم، وله مع حيص بيص مجريات، وله كتاب عروض‏.‏
(7)
ابن حمدون : التذكرة الحمدونية، مطلع الباب التاسع والعشرين .
(8)
هو أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي شاعر مشهور؛ كان في صباه يرفو ويطرز (يعمل خياطا) في دكان بالموصل ولذا سمي بالرفاء أي الخياط، وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر، ولم يزل حتى جاد شعره ومهر فيه، وقصد سيف الدولة الحمداني بحلب ومدحه وأقام عنده مدة، ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤساء المدينة، وانتشر شعره وراج. وكان شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف، وقد عمل شعره قبل وفاته نحو 300 ورقة، ثم زاد بعد ذلك، وقد عمله بعض المحدثين الأدباء على حروف المعجم، وله كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب وكتاب الديرة. وكانت وفاته في العقد السابع من القرن الرابع الهجري ببغداد.
(9)
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب : له قصة دعوته لنفسه ، فلما ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك الخلافة، وولى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن مروان العراق، خرج عبد الله بن معاوية عليه بالكوفة، ودعا لنفسه، فقاتله عبد الله بن عمر فهزمه فأتى المدائن فلحقه قوم انضموا إليه، فسار إلى حلوان؛ فغلب عليها وعلى نواح من الجبل، وضرب الدراهم وكتب عليها: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " . ثم غلب على أصبهان وعامة فارس والأهواز، وكان على الأهواز من قبل عبد الله بن عمر، سلمان بن حبيب بن المهلب، وصار أبو جعفر المنصور إليه مع من صار إليه من بني هاشم، فولاه ايذرج من الأهواز؛ فجبى خراجها.
-
والقصيدة المعنية من بحر ( الكامل)، ومنها :
رأيت فُضيلاً كان شيئا ملفّفاً ..... فكشّفه التمحيص حتى بـدا ليا
أأنت أخي مالم تكن لي حاجة ..... فلما عرضتْ أيقنت ألا أخا لـيا
(10)
اعتمد البحث على النسخة المصورة من كتاب الحاتمي على الإنترنت بصفحة موقع المكتبة المقروءة :
http://www.alawsati.com/mod.php?mod=bookreader&modfile=picshow&imgid=149
والكلام من ص 79 .
(11)
المخبل السعدي : هو ربيع بن مالك بن ربيعة بن عوف السعدي، أبو يزيد، من بني أنف الناقة من تميم. شاعر فحل، من مخضرمي الجاهلية والإسلام هاجر إلى البصرة وعمر طويلا ومات في خلافة عمر أو عثمان رضي الله عنهما. قال الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء: له شعر كثير جيد هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام بني سعد قبيلته.
(12)
واسم الطبيب يزيد بن عمرو بن وعلة بن أنس أن عبد الله بن عبد نهم بن جشم بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم الشاعر المشهور ذكر أنه شهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز وله في ذلك آثار مشهورة وكان في جيش النعمان بن مقرن الذين حاربوا الفرس بالمدائن قال أبو الفرج هو مخضرم وهو شاعر مجيد ليس بالمنكر .
-
والبيت من ثلاثية لها قصة : إذ كان بين قيس بن عاصم وعبدة بن الطيب لحاء ـ منازعة ـ فهجره قيس بن عاصم ثم حمل عبدة دما في قومه فخرج يسأل فيما تحمله ، فجمع إبلا ، ومر به قيس بن عاصم وهو يسأل في تمام الدية ، فقال :ـ فيم يسأل عبدة ؟ فأخبر فساق إليه الدية كاملة من ماله ، وقال : قولوا له ليستمتع بما صار إليه وليسق هذه إلى القوم . قال عبدة : أما والله لولا أن يكون صلحي إياه بعقب هذا الفعل عارا علي لصالحته ، ولكني أنصرف إلى قومي ثم أعود فأصالحه ، ومضى بالإبل ثم عاد فوجد قيسا قد مات فوقف على قبره وأنشأ يقول :
عليك سلام الله قيس بن عاصم**ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة**إذا زار عن شحط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد**ولكنه بنيان قوم تهــدما
(13)
اعتمد الباحث على النسخة المصورة من الإنترنت بعنوان :
http://www.alawsati.com/mod.php?mod=bookreader&modfile=picshow&imgid=149
وكلام الحاتمي تقرأه ص 83 .
(14)
ينتمي إلى قبيلة نمير بن عامر وهي إحدى قبائل هوازن، الشهيرة، وهي من جمرات العرب، وجمرات العرب هي القبائل التي اعتمدت على قوتها الذاتية في حروبها ولم تلجأ إلى التحالف مع غيرها من القبائل. وأبو حية كنية الهيثم بن الربيع بن زرارة بن كثير بن خباب بن كعب بن مالك بن عامر بن نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، أي أنه عاش العهدين الأموي والعباسي، وقيل إنه عاش حتى أدرك وفاة المنصور، ثاني خلفاء بني العباس ، وأنه رثاه بشعره. وأبو حية شاعر مجيد .
(15)
اعتمد الباحث على النسخة المصورة على الإنترنت من صفحة موقع : http://www.alawsati.com/mod.php?mod=bookreader&modfile=picshow&imgid=149 وكلام الحاتمي، ص 83 – 84 .
(16)
هو أبو القاسم حماد بن أبى ليلى بن المبارك بن عبيد الديلمى الكوفى... المعروف بـ"الراوية". كان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ولغاتها وهو الذى جمع السَّبع الطوال فيما ذكره أبو جعفر النحاس. وكانت ملوك بنى أمية تُقَدّمه وتؤثره وتستزيره، فيفد عليهم وينال منهم ويسألونه عن أيام العرب وعلومها... قال له الوليد بن يزيد الأُموى يوماً: بَم استحققت هذا الاسم فقيل لك الرواية؟ فقال: بأنى أروى لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروى لأكثر منهم ممن تعترف أنك لا تعرفه ولا سمعت به.. ثم لا ينشدنى أحد شعراً قديماً ومحدثاً إلا ميزت القديم من المحدث.. فقال له الوليد: فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟... فقال: كثير، ولكنى أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعراء الجاهلية دون شعراء الإسلام، فقال الوليد: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد، فأنشد حتى ضجر الوليد ثم وكَّلَ به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفى عليه، فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهلية.. وأخبر الوليد بذلك فأمر له بمائة ألف درهم.. واتهم ابن سلام الجمحي بالانتحال.


انتهى

تعليقات