من كتابي: هوية العَنْونة في الشعر "العنوان الموظّف في الشعر"

من كتابي:

هوية العَنْونة في الشعر


-العنوان الموظّف في الشعر:

 

إن الموظف تعني إن الشاعر استثمره في قصيدته ووظفه إما لفظًا أو معنى، وهذا يظهر في قصيدة بعنوان " بياض"، للشاعر (حسن الصلهبي) وبه يوظف العنوان تجاه قصته مع صديقه الغائب، الذي بغيابه "غاب النور واستحكم الخريف وماتت الزهور وأمحلت التلال وغرق في ثبج الدمع"، وجاء دور البياض الآن الذي فاح من قلب صديقه يمحو كل الظلم، فيقول :



ثم نمضي لفضاءات المنى

نملأ الكون ضياء وقيم

وبياضًا فاح من زهرة قلـ

ـبك يمحو كل أرتال الظلم



فما زال الشاعر وصديقه يكتمان في قلبيهما ربيعًا وهمم، ويدعو الشاعر صديقه معه أن يركابا أعلى القمم وهو شقيق روحه وهو في هواه متيم. ولعل الصديق الغائب هذا هو الشعر كما نعتقد؛ لأن الشاعر في ديوانه "بين يدي امرئ القيس" يستحضر القصيدة تارة والشعر تارة أخرى، وفي عناوينه جميعًا توظيف مبطن لحال القصيدة بينه والآخر، فاقرأ له عنوان " الحشر"، و" القيامة" وعنوانه الفذّ " أشعل فوق الماء ناري" وبصراحة يقول:



وإذ مدع للشعر يتبع ظله

ويربو على عيني كقطن مندف

يسائلني من أنت ؟ قلت له : السما

أنا الشاعر ..

وغيري هو الخفي.



ففي الديوان كاملا يبدو همّ الشاعر إظهار حقيقة شاعريته وإبطال زعم وادعاء الآخرين تجاه شعره، أو التشكيك بشاعريته.

 

ولعنوان (البياض) سرّه عند الشعراء، فيوظفه الشاعر (عبد الله فهد) في ديوانه (18 يناير) ، ويعنون قصيدته بجملة " بياض لم يستتر"، ويفتتح القصيدة بقوله:



لم تكن أكثر الكائنات بياضًا

ثم يقول في صفحة القصيدة نفسها:

بيضاء تبشر بهلاك مقبل



وهنا يصير لتلك البيضاء فعل الخوارق؛ فقد أضاءت العتمة، وبكفها قلبت الموازين، وأخيرًا ساقت الشاعر إلى الموت بلا كفن.

 

ومن العناوين الموظفة - للشاعر نفسه وفي الديوان نفسه - لفظيًا عنوان قصيدة " كي لا تسقطوا في فخ الدهشة"، إذ تتشكل جملة العنوان خلال نص القصيدة، ويتكرر ذكرها في سطر شعري منها، والعنوان لا غرابة فيه، وما يوحيه من التعبير الأول هو ما يوحيه، إلا أنك تقف عند لفظتين فيه هما (تسقطوا)، و(الدهشة)، فالسقوط غير محمود، والدهشة التي تسقط غير محمودة، فعن أي سقوط يتكلم الشاعر، وأي دهشة تلك التي تدهشنا وتسقطنا، يقول الشاعر:


لا تستغربوا:

سنمر يومًا على المدافن



ويقول:

لا تستغربوا :



إن سقطتُ ميتًا وأعرضت الأرض عن عناقي



ويقول:

لا تستغربوا :



إن نشرتُ هزيمتي على حبل غسيل أمي



وقد افتتح القصيدة بقوله: "لا تستغربوا" استفتاحًا للقارئ بتبديد الغربة التي قد يلحقها العنوان فيه، وقد جاءت هذه اللازمة في مطلع كل صفحة وهي تشكل مطلع كل فكرة من أفكار نصه؛ فيريدنا ألا نستغرب من حكايته.. التي مفادها أنه مرّ على المقابر يتذكر الميتين الهاربين من الذاكرة، ولم تقبل الأرض عناقه، وأفلتت منه رغم بكائه، وكشفت أمّه هزيمته وبررت انكساره، والاستغراب والدهشة لهما الدلالة نفسه، ثم يوظف العنوان حرفيًا فيقول:



كي لا تسقطوا في الدهشة


ولسان حاله يقول: "مما قلته لكم "



يختم القصيدة ويكشف سرّ كل ما حصل بأنه بسبب غياب عائشة:



اسألوا عائشة عن جثة الفرح الملقاة فوق سريري.

 

تعليقات