كتب عماد الخطيب عن: أسْمَاء الشّخصيّات فِي الرّواية الأرْدنيّة " سيميائية العلاقة بالعنوان رمزًا ايقونيًّا"

أسْمَاء الشّخصيّات فِي الرّواية الأرْدنيّة 

" سيميائية العلاقة بالعنوان رمزًا ايقونيًّا"



يمكن ملاحظة أن اسم (هبة) في رواية مؤنس الرزاز "حين تستيقظ الأحلام " يتناسب مع دلالة الهدية، وأن اسم (مختار) يتناسب مع كون هبة هي التي اختارته فتستقيم العلاقة بين الجارين في الرواية، ولو أنها لا تتحقق إلا في النوم.. وتكتما تلك العلاقة بين الاسمين بتحليل ما يريانه هدفا من علاقتهما التي يظن الناس أنها من العلاقات المحرمة ! ثم يغلب على الكلام الحس السيميائي والبعد عن التصريح والانشغال بالتلميح .. فانظر إلى قوله :

"
دخلنا في مغارة كتب عليها مملكة الشعر .." 

فيكون الشعر أداة من الراوي للابتعاد بالمتلقي عن مباشرة معنى أن تكون هناك علاقة محرمة بين جارين معصومين ! فبنية " الشعر " حولت سمة العلاقة من محرمة إلى علاقة متخيلة.

ثم يقول الراوي على لسان مختار :

"
رأينا عناقيد من السكر وأشياء من المستقبل، واللذة العفيفة، وأبواب تلعب دور آذان تتنصت، وعيون تتلصص .. ورأينا الحب الذي يخصب الشتاء وهول العاصفة .. و حين خرجنا إلى سطح المحيط كنا في دوار من النشوة .. حتى قلنا وقد فتكت بنا النشوة العارمة وأرهقتنا : سنلتقي في منام الليلة القادمة

واستفادت الرواية من استثمار تقنية الحلم بإنهاء علاقة الشخصيتين ( هبة ومختار ) بزمان أو مكان معين. فقد خرجت الشخصيتان من زمانهما أو مكانهما المحدد نحو تطور بلا زمان أو مكان ..

فما الذي يشير إليه الراوي من تقاربهما ؟

إنه يقارب بين جارين يستلذان معا في الحلم، وهما في الواقع محرم عليهما هذا التقارب 

ألا نحس بوجود علاقة بين هذا التقارب وتقارب العرب من عدوهم؟

فهم لا يعرفون طعم لذة التقارب إلا بما يحلمون له أن يكون ولن يكون في الواقع فيحلمون بما لا يمكن تحقيقه على صعيد الواقع من تقاربهم مع عدوهم !

ويزيد من عمق هذا الفهم سيميائيًّا ذكر البحر الميت وهو الحد الجغرافي بين العرب وعدوهم .. إذ تقول هبة :

"
حبيبي .. تعال نمضي إلى البحر الميت نبعث فيه الحياة .. " 

وفي الدلالة السميائية المباشرة بدت المرأة عند مؤنس الرزاز في "حين تستيقظ الأحلام" شخصية تتبادل اللذة مع جارها في الحلم، إلا أن حالة سيميائية غير مباشرة تفرض القول بأن حالة من الكبت والقمع والإذلال أوصلت حال الجارين إلى ذلك وهي حالة تشبه حالة الشعوب العربية المتعطشة للحرية والتمرد بلذة نشوة تحس معها بكرامتها!

كما بنى الرزاز شخصية "مختار" بناء دقيقا؛ إذ يحيطه بشروط خاصة تصنع له فكرًا منحرفًا، فله أب قتيل، فرض ذعر الأم الذي دفع به إلى الانطواء.

يقول الراوي :

"
إلا أنني كنت أحس بوحدة وضجر..."

وقد أثرت سخرية الآخرين من الشخصية (التلاميذ، وشلة المقهى...) ودفعته في تشكيلها إلى المطالعة والحياة داخل العوالم المغرقة في الخيال ومنها الغرفة والحلم بـ (هبة).. ومما سبق فقد شكلت شخصية مختار دلالات سيميائية نجملها بما يلي :

-
إنه عديم القدرة على التأقلم والتكيف مع الواقع.

-
لقد حوله بناؤه من الداخل إلى حالة وجودية قلقة ومقهورة وتقتنع بأنها لن تنتصر على حالها.

-
تقع شخصية مختار تحت تأثير الضجر واليأس من الفعل ومن التغيير.

-
يصيب شخصية مختار الملل، فيقتل عنده كل إرادة وأمل في الخلاص.

-
عيش مختار الحلم لا الواقع حتى في الحب.

-
يعجز عن تحويل ما يحلم به ويتمناه إلى حقيقة واقعية.

-
عند شخصية "مختار" إحساس دائم بالهزيمة.

يقول الراوي مبينا ذلك على لسان هبة:

"
سمعت نواحه ... يجثو على الأرض ويطلق نواحا ضاعف من ارتياعها وذعرها... ثم سمعت خطواته تنزل الدرجات بتثاقل. كان لها وقع خطوات جندي عائد من معركة"

فتظهر لكلمات (هبة) سيميائية دالة على ارتباطها مع (مختار) ارتباطًا له علامة فارقة في العلاقة بينهما !

ولعلنا نشير هنا إلى أن مختارا لا يمثل شخصية نفسه فقط ! بل يقدم الرزاز موقفا تحليليا لوضعية اجتماعية دفعت بدورها الشخوص الروائية إلى الشعور بالغبن، والشعور الحاد بخيانة المجتمع. رغم الإحساس القوي بأسباب تغير القيم ومراجعها في الواقع فإن الرزاز يصر على بناء عالم الشخصية المتخيّل والروائي بناء جماليًّا وفنيًّا، ويحلم بالتغيير على طريقته.

وترتبط دلالة أسماء شخصيات رواية هزاع البراري "حواء مرة أخرى" بعنوانها سيميائيا ؛ لأن تسمية الشخصية فيها تعبير عن معطيات موضوعية للنص ومساهمة في إيصال رؤى ذاتية للمتلقي، إلى جانب ما يرتبط بالعنوان وأسماء الشخصيات من عناصر أخرى تحلل مقاصد للراوي وتفك عقدة من عقد الرواية ، ومن تلك العقد تركيبة اسم شخصية من شخصيات حواء مرة أخرى سماها الراوي باسمين غير مكتف بإطلاق واحد عليها رغم دلالته التاريخية فسماها (كرستين توماس)، وجعل من وصفها أنها " امرأة خبيثة " ثم جعل العلاقة بينها وشخص اسمه (عمار)، جاعلا من وصفه أنه " رجل مطيع" ، فكرستين بحاجة لجل جذوره الشرقية كي يحميها، وتحبه على طريقتها الخاصة . وترضعه الويسكي. ولما حاول عمار أن يكلمها عن وطنه " استمعت بملل "، و لكنها أدمنت جسده ... والوصف مقتطف من الرواية وفيه بدا الروائي مغتربا بسيط الحال يسعى إلى توفير لقمة عيشه، دون أن يدرك بأنه افتقد كثيرا من عاداته وتقاليده عندما أعطى للمرأة حريتها في كل شيء !

إنه صراع المرأة والرجل.. صراع يبعث للسطح بـ " حواء مرة أخرى " وحواء لن تختفي من صراع الحياة وفي الصراع بدا البعد السياسي بين العرب والغرب وتأكيد التفوق المادي لصالح الغرب وإغواء العرب لصالح تفوقهم المادي على حساب عادات العربي التي يفتقدها شيئا فشيئا دون أن يدرك بأن افتقاده لمعنى الحياة العفيفة هو أول ما سيفتقد وسيتبع ذلك افتقاده لأشياء لا يمكنه استردادها كافتقاده وطنه وكرامته.

وتحقق هذه الشخصية سيميائيا معنى لـ :

-
الجانب الإنساني.

-
صراع العمل وتأزم الحياة.

-
مستوى عال في تنوع الكلام والحكي.

-
امتلاك الرغبة في التغير والتحول في الغربة عن الوطن.

-
الفكر اليقظ.

وتخيل سيفا في الزوبعة . ماذا يمكنه أن يصنع ؟

إن (سيفًا) اسم لإحدى شخصيات زياد قاسم في روايته "الزوبعة"، و إنه شخصية جد فاعلة، تحاول أن تنفرد بأن تجعل من أفعال الآخرين انعكاسا لما تراه هي، ويحمل الاسم في سيميائيته معنى القوة والبتر لكنه يحمل في بسط الأحداث معنى الأنانية والغرور، فاتهم (سيف) من حوله بالخيانة وأنهم لا يسيرون في الطريق الصحيح 

ويظن المؤلف بأنه لما غاب السيف عن العرب غابت العزة وغاب النصر ! لكن سيف ما زال في زوبعة الأحداث التي ألمت بالعرب وعالمهم وما عاد له من فعل يعز العرب ويعيد لهم هيبتهم. حتى يضطر في النهاية إلى أن يتنازل عن قيمه ومسؤوليته في المعركة ويعود للصفوف الخلفية تاركا خلفه العار والخذلان.

وشخصيات زياد قاسم في "الزوبعة" تعيش الحياة ببساطتها وعقدها، وقد يكتفي بذكر صفات لكثير من شخصياته دون ذكر اسمها وهذا تنوع يوجد تنوعًا آخر في الحدث ويرمي به إلى التلويح بغربة تفقد الإنسان طعم الإحساس بمعنى اسمه .. فمن لا وطن له لا اسم له .

ويعيدك اسم شخصية (حنون) في رواية إبراهيم نصر الله "طيور الحذر" إلى فلسطين الضائعة. وتجعلك تحن إلى ما فات من ماض عزّ مثيله ! فلها من اسمها نصيب – كما يظن المؤلف - وترجع باسمها نحو مشاركة القارئ فيما تقول ، استمع لما تقول :

"
لو لم يحتلوا البلد .. كان لي ولد بعمره "

ليس الهدف هو الولد، بل "البلد" . فلما ضاعت البلد لا قيمة للولد. وانسجم الاسم مرة أخرى مع الحدث الأكبر (حدث الاحتلال) وما نتج عنه من هزيمة .. وليست الهزيمة في سيطرة الآخر على المكان فقط، بل الهزيمة هي هزيمة النفس التي لا يساويها هزيمة، وهو قول حنون عن زوجها المهزوم :

"
تزوج هزيمته و رحل "

وتبتعد صفة السيميائية عن الطريقة المباشرة في تقديم الشخصية، وتقترب من الطريقة غير المباشرة، حيث يمّدنا الراوي بمعلومات عن الشخصية بشكل غير مباشر بدءا من اختيار الاسم وانطلاقا من الأحداث المحيطة به .. فيلعب الأدب لعبته السيميولوجية وهي لعبة الدلائل ويقذف بها بآلة لغوية سمتها يشتقها من تعدد الأسماء..

ونقف مع شخصية (المجند يعقوب)، في رواية "طفل الممحاة"، وقد استثمر الروائي أسلوبًا استبطانيًا سيميائيًّا من خلال التعريب بملامح الشخصية ومراقبة تصرفاتها أو عبر متابعة دقيقة لتطور ردود فعلها في مراحل زمنية مختلفة من أزمان الرواية. ويقف الروائي خلف قناع الشخصية الذي يفرضه داخل النص.. إلا أن الوجه الحقيقي لشخصية (المجند) لا يختفي(يعقوب).. بل يمكن الاستدلال عليه أو اكتشافه من خلال بعض ملامحه(32). ويعقوب مخبر يندس في صفوف المظاهرات ليشي بالمناضلين، لكن هذا الدور السلبي يقود إلى صحوة وطنية في ضميره- فيما بعد- يدفع ثمنها، فالطفل و الممحاة يرسمان ما لا يرسمه الواقع من سلبية أو تخاذل.

ولا يخفى ارتباط اسم (يعقوب) كدلالة معرفيو إيديولوجية بالعدوّ، وأنه اسم يرتبط –إشاريًا – باليهود، وقد انعكست هذه الدلالة على تسلسل أحداث تلك الشخصية في الرواية كما ظهر.

وجلب الراوي شخصيتين هما (فؤاد) و(الكولونيل غريغوري )، معتمدا على قوة فاعلية شخصية (فؤاد).. وجعل له من اسمه نصيب، فهو كالقلب شخصية محورية ذات تأثير على من حولها. وتجمع صور شخصيات الرواية التي تذكر بفلسطين الضائعة ذات سردية ساخرة من نوع (الكوميديا) السوداء التي تُضحِك وتُبكي، فأحيانا تكسر أحداث الشخصيتين الإيقاع التأريخي التوثيقي لضياع فلسطين، فتصنع عالمًا موازيًا يملؤه الواقع كشفا تصويريا وتارة نستكشفه بالاستبطان السيميائي، من ذلك ما قاله (الكولونيل غريغوري) لفؤاد:

"
ثمة جيوش عربية ستتوجه إلى فلسطين خلال أقل من أسبوعين لتحارب هناك، وقد طلبوا مني أغرب طلب: أن تكون هذه الجيوش تحت إمرتي سيد فؤاد . وكان فؤاد أيضًا لا يخلو من الهذيان الناتج عن السكر أحيانًا؛ إذ علم بأن الكولونيل سيصبح قائدا .

وبالأسلوب السيميائي المصور صنعت رواية " طفل الممحاة " شخصية (فؤاد)، ابن القرية الذي حباه الله بجسد قوي، وطلعة بهية حببت إليه الناس، وكانت سببًا في تقدمه الوظيفي إضافة إلى مثابرته التي قادته للترقية في وظيفته، وفي موقع حساس مثل حارس مقرب في قصر سيد البلاد، كما ينال أيضا ثقة الكولونيل غريغوري البريطاني.

وتشكل شخصية (فؤاد) في الرواية دلالة سيميائية، يمكن تتبع دلالاتها في النقاط التالية:

-
لها خط قابل للنمو.

-
تمتاز بالصراخ والتمرد.

-
بها مرونة على مواكبة الأحداث.

-
تتأثر بمن حولها وتؤثر فيهم.

-
تعبر عن شرائح مجتمعية متداخلة وليست محورا لشريحة واحدة...

إضافة إلى ما يشكله البعد الدلاليّ اللغويّ لكلمة(فؤاد): وهو القلب والمركز، فكما هي أهمية القلب للإنسان وأهمية مركزيته وعمله المركزيّ فقد كان كذلك في تسلسل أحداث الرواية : يؤثر بمن حوله، ويؤثر فيهم، ويعبر عن شرائح مجتمعه المتداخلة والمتنوعة.

تعليقات