الصّحَافَةُ أمُّ الكُنُوز... عماد الخطيب يكتب: "وَفَاءً للصّحَافَة الّتي وثّقتْ سِيرة أيَّامٍ عَظِيمة، بين جيليّ: الوَرَق والرّقميّة"

 

الصّحَافَةُ أمُّ الكُنُوز

عماد الخطيب يكتب: "وَفَاءً للصّحَافَة الّتي وثّقتْ سِيرة أيَّامٍ عَظِيمة، بين جيليّ: الوَرَق والرّقميّة"

[بمناسبة اليوم العالميّ للصّحافة 3 أيار]

لم يكن سهلا على ورق الصّحافة أنْ يجد نفسه مهملا على رفوف المكاتب، ويتطاول عليه الكلّ باللّسان تارة، وباليد تارة أخرى!

ولم يكنْ من بدّ على ورق الصّحافة، إلا أنْ يتراجع أمام ثورة الرّقميّة، وضيق الزّمان، وتآكل المكان، وتجرّع مرارة سحق البركة من الوقت الذي لم يعد يتّسع لشيء، ولا حتى تقليب صفحات من ورق كان فيما مضى مثالا لراحة الأبدان، وغذاءً الفكر، والمصدر الأكثر توثيقًا للمعلومات!

إنّها تكنولوجيا العصر الجديد، وإنّها مرحلة بداية (موت الصّحافة الورقيّة).

ولكن.. لا بد من وقفة وفاء لصحافة الأمس التي وثّقت بمهارة أهم لحظات عايشناها، وعملنا من أجلها، وتمثّلناها؛ فقرأنا عنها، وحكينا عنها، وكتبنا مذكراتنا من حولها، ورسمنا لنا أملا من خلال ما فهمناه عن عالمنا من وحيها.

كان محرّرو المقالات لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، في مؤسسات تنتج صحفًا ولا يتجاوز عددها مجموعة أصابع اليدين في أحسن الأحوال!

ولكن كان لهم طابع خاص في تأثيرهم علينا..

وكان حديثنا الدائر في مناسباتنا عمّا كتبه (فلان) في الصّحيفة (كذا أو كذا)، وكان مصطلح (مؤثّر) غير متداول بيننا، إلا أن حجم تأثير ما كتبه كان عاليًا؛ لا لما يتّهم به البعض زماننا من (الفقر التّعدّدي): أي ظنّهم أنّه لم يكن لنا من سبيل إلا ذاك المحرر، وتلك الصحيفة كي نتلقف منها المعرفة! لا، ولكننا كنّا منظمين، ونمارس دور (الناقد) فينا؛ فنحاكم ما نقرأ، وليس سهلا أنْ يمرّ علينا (عنوان) دون محاكمة. كان زمننا زمن (الفهم) والبحث عن (لذّة القراءة).

فارتقت صحافة الأمس إلى رقيّ فكرنا، وسخّرت إمكانيّاتها في (إرضاء فكر القارئ)، وكانت لا تنجرف وراء الألوان والمظاهر على حساب المضمون الفكريّ الذي تقدمه إلينا. ومالت الصّحافة الأسبوعيّة إلى شيء من هذا. أما الملاحق الأسبوعيّة فكنا ننتظرها من أسبوع إلى أسبوع، واعتمدت الصحيفة على تجويد ملاحقها الأسبوعيّة، وتطوّر الحال إلى ملحق في يومين أحدهما للثقافة، والآخر للاقتصاد؛ في زمن تطوّر الحديث فيه عن (المال والاقتصاد).

أمّا اليوم،

فقد انتقلت الأوراق من اليدين، إلى أجهزتنا، وما زالت الورقة كما هي، وبالشكل الذي نعهده، ولكنها تقرأ بصريًّا دون لمس أو شمّ، ولمن كان يظنّ بأننا نبالغ بقولنا عن رائحة ورق الجرائد، فلا يظلمنا؛ لأنّ ورق صحف اليوم في أجهزتنا بلا رائحة، ولا معنى. إننا سهلنا بالرّقميّة وصول ورق الصّحيفة إلينا، ولكنّنا –إلى اليوم –لم نوجد لها طريقة بصريّة/يدويّة؛ غير ما كنا نفعله ومات مصطلح (التّصفّح اليدويّ) للجريدة!

كنا فيما مضى نستطيع تصفح عناوين الجريدة كلها، ونحفظ صفحاتها، وأماكن تواجدها، وهذا اليوم غير ممكن، وصعب، وكانت أبواب الصحيفة لا تتجاوز العشرة في أغلب الصحف، أما اليوم فنتحدث عن عالمٍ من الأبواب لا ينتهي، وهو يتجدد ويتفنّن أصحابها في التسميات والعرض، حتى تهنا في فوضى الأخبار والمعلومات؛ وكأنّها حالة مخطّط لها، خصوصًا وأنّنا أخذنا نقطف ثمار التكنولوجيا متأخرين عن العالم.

وأخيرًا..

فللصّحافة في يومها العالميّ أن تتذكر الورق بكل احترام، وأنْ تعاود النّظر في (ابتكارٍ) يُبقي له ألقه، وأنْ تقارب بين أبواب المس وأبواب اليوم، وألا تنجرف وراء المظهر على حساب الجوهر، وختامًا فلن تموت الصحافة، وستبقى العمود الفقري للسّياسة، وشرايين منفّذيها على أرض الواقع. ورقيّة كانتْ أم رقميّة.

   

 

تعليقات